سلالة خطرة: هكذا قدمت بي بي سي عائلة الأسد

من العاصمة البريطانية لندن عام 1993، تنطلق ثلاثية بي بي سي الوثائقية “سلالة خطرة: عائلة الأسد”، لتقدم عبر ثلاث ساعات بُثت على مدى ثلاثة أسابيع، محاولة للإجابة على تساؤل يبدو غربيًا أساسًا: كيف بات طبيب العيون بشار الأسد وزوجته بريطانية المولد، أسماء، على رأس نظام مسؤول عن قتل مئات آلاف السوريين؟

والحال أن هذا السؤال ما برح يتردد في وسائل إعلام غربية مع بدايات الانتفاضة السورية عام 2011 وتتالي الأنباء عن المجازر المستمرة هناك، وكأن الغرب والعالم لم يسبق لهم أن حاولوا الإجابة عن الكيفية التي بات بموجبها الصحافي بينيتو موسوليني على رأس الفاشية الإيطالية مثلًا، أو المحامي صدام حسين أحد أبرز ديكتاتوريي العالم وأكثرهم وحشية، أو كيف يمكن لطبيب جراح كأيمن الظواهري أن يتزعم تنظيم القاعدة.

للإجابة عن التساؤل بخصوص بشار الأسد، أجرى مخرج السلسلة نيك غرين ومعدتها كيت كوين مقابلات مع 25 شخصية، سوريين وأجانب، بما يشمل صحافيين وأكاديميين وأصدقاء لعائلة الأسد ومستشارين سابقين لهم وزملاء عمل ومسؤولين ودبلوماسين ومحللين سياسيين  ومعارضين سوريين ومختصين بعلم النفس. Continue reading

عن المعتصمين بحَبْل الصنَم

يحتشد طلاب خارج بوابة مدرستهم الثانوية في حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، يؤدون بشكل ساخر تصفيقاً طلائعياً. تصفيق وصفير، فيما السيارات تعبر بمحاذاتهم، ومن ثم يؤدون تحية العلم الصباحية، بما يشمل غناء النشيد الوطني “حماة الديار” في الشارع بدلاً من باحة المدرسة الداخلية.

يعود المشهد السابق لاعتصام طلاب من ثانوية “بسام بكّورة”، وفقاً لما نقلته شبكات تواصل اجتماعي مؤيدة للنظام السوري. اتضح لاحقاً أن الفيديو يعود للعام الماضي، لكن وسائل إعلام مؤيدة للنظام تحدثت عن اعتراض راهن ومتجدد لطلاب الثانوية على إقالة مدير المدرسة وسام نوفل، نتيجة نفوذ طالب “مدعوم” بعد مشادة كلامية بين الاثنين. فيما تداولت شبكات أخرى مقطعاً مصوراً يُظهر امتناع العشرات من طلاب الثانوية عن دخول مدرستهم وتناثرهم خارجها، قيل إن تاريخه يعود إلى 23 تشرين الأول/اكتوبر الجاري.

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها البيئات المناصرة للنظام، أو تلك التي لم تلتحق بالثورة السورية على أقل تقدير، نشاطاً احتجاجياً. سبق لموالين أن اعتصموا في اللاذقية في العام 2015 للاعتراض على مقتل العقيد في جيش النظام حسان الشيخ، على يد سليمان الأسد، قريب رأس النظام السوري بشار الأسد، بسبب خلاف مروري. Continue reading

سانك يو

مجلة صور، العدد 27CLINTON ASSAD

————-

كان من جملة محاسن غير الصدف لدراسة المرحلة الإعدادية في مدارس هيئة الأونروا وليس في مدارس مؤسسات الدولة السورية التي يجب أن نحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ هو غياب حصص التربية العسكرية، أو على الأقل عدم انتظامها واقتصارها على بضع حصص إضافية شبه شهرية كان على إدارة المدرسة الالتزام بها. وكانت معظم هذه الحصص الإضافية تحدث خلال زيارات لمفتشي مادة التربية العسكرية القادمين من دمشق بين حين وآخر.

في إحدى هذه الزيارات وبعد أن نلنا إعجاب المفتش في قدرتنا على تنفيذ أوامر اليمين در والوراء در بانتظام واتساق يتجاوزان إبداع فرقة سِما للرقص التي تشارك في برنامج للموهوبين الهواة بعد سنوات من الدراسة الأكاديمية، جلس المفتش في صدر الباحة على كرسي من خشب الزان، وبدأت جلسة من التوجيه السياسي التي ما كنا نحتاجها أساساً.

وبعد نهاية الجلسة المخصصة للحديث عن سلام الشجعان وحنكة السيد الرئيس وكيف أننا لسنا دعاة حرب وإنما ندفع الحرب عن أنفسنا، تم فتح الباب لتوجيه الأسئلة. فما كان من أحد الزملاء إلا أن توجه بسؤال يجمع قدراً ليس قليلاً من البلاهة مع قدر ليس قليل من المجازفة: في لقاء السيد الرئيس حافظ الأسد (قاطعنا سؤال الرفيق هنا بتصفيق حار) مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، لاحظنا وجود مترجم لأن الرئيس الأسد لم يكن يتكلم إلا بالعربية، هل كان الرئيس الأسد يتقصد الحديث باللغة العربية كنوع من التمسك بلغتنا الأصيلة ولإرسال رسالة للرئيس الأميركي داعم الصهيونية أننا لا نتخلى عن لغتنا، أم لأن الرئيس الأسد (وهنا تبدأ البلاهة الممزوجة بالمجازفة) لا يجيد التحدث باللغة الإنجليزية؟ Continue reading

كارثة المركز الأول

053011040518re9bipkdevdt 

 عنب بلدي، العدد 190

———————

ذات صف سابع، شاركت، ممثلاً مدرستي الإعدادية، في مسابقة للمعلومات والثقافة العامة على مستوى مدراس وكالة غوث اللاجئين- الأونروا في محافظة درعا.

 لا بد من ملاحظتين هنا لتوضيح سياقين، الأولى أن مثل هكذا فعالية ما كان لها أن تحصل على مستوى مدارس الدولة في المحافظة ربما لأن المسابقات الثقافية هي تقليعة إمبريالية صهيونية دخيلة أو ربما لأننا نعرف كطلاب علم كل تواريخ انتصاراتنا وأحداثنا الجسام من حركة تصحيحية وحرب تحريرية ولا حاجة لنا للاستزادة فيما ليس له طعمة. والثانية أنني وغيري من طلاب سوريين كان أولياء أمورنا يجدون طريقة ما لدحشنا في هذه المدارس رغم أنها مخصصة للطلاب اللاجئين الفلسطينيين، لكن جودة التعليم المعقولة فيها مقارنة بالسيرك الذي سأخبره جيداً في مدرسة ثانوية رسمية دفع بالحاج أبو مناف أطال الله عمره لتوظيف علاقاته المتشعبة مع جارنا سليم (وهو أستاذ في إحدى هذه المدارس) لتدبيري أنا الطالب السوري بطريقة أو بأخرى.. وهو ما حصل.

لنرجع للمسابقة الثقافية التي كانت حامية الوطيس، فبعد جولة أولى بمشاركة خمسة فرق، اقتصرت المنافسة على انتزاع المركز الأول على فريقنا (إعدادية طبريا للذكور) وفريق آخر يمثل إعدادية “عين كارم” للإناث، وكان أن تمكن الفريق المنافس من الإجابة على سؤال: ما عدد أرجل الزرافة؟ وتوقع جميع المراقبين أنهم على وشك حسم المسابقة لصالحهم قبل أن نعدل النتيجة بعد أن حزر زميلي في الفريق ما هي الدولة العربية التي عاصمتها عمّان وتحد سورية من الجنوب وفيها خط تهريب سجائر مارلبورو يربط مدينة إربد بدرعا البلد وتبث قناتها الأرضية الثانية مسلسل “الجريء والجميلة”. Continue reading

من مذكرات عائلة معارضة قبل الثورة

hqdefault

عندما توفي حافظ الأسد الله يرحمه بحسب ميشال كيلو، خرجت والدتي إلى الشرفة وسلخت زلغوطة أقوى من زلغوطة انشراح، وجعل أبي يصرخ بأعلى صوته بالحي: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وقد رحل الطاغية أخيرا.. أما أنا فأمسكت سماعة الهاتف الأرضي واتصلت بصديقي، وباشرته بمجرد رده على الهاتف: “افتح التلفزيون وادع لي”، وما هي خمس دقائق حتى عاد صديقي واتصل بي متحدثاً بصوت ملؤه الغبطة: “مبروك يا ملاذ موسى الزعبي الذي يقطن بحي السحاري”، فرددت له المباركة بأحسن منها: “الله يبارك فيك يا أيهم أسعد الحريري الذي يقطن في الشقة اليمينية بالطابق الثالث من بناء الشيخ في حي شمال الخط”.

أما أخي الصغير فنزل يركض جزلاً إلى رفاقه بالحارة وخاطبهم بحماسة منقطعة النظير “يا شباب يا شباب أسمعتم الخبر الحلو جداً وضعوا لي خطين تحت عبارة “الخبر الحلو جداً”، فقالوا له: “لا والله يا عبد الرحمن، للآن لم نسمع الخبر الحلو جداً بعد ما وضعنا لك ثلاثة خطوط تحت عبارة “الخبر الحلو جداً”، فأجابهم باختصار: “مات الرئيس.. قصدي فطس” فتفاجأ رفاقه أن ثمة عائلة معارضة بالحارة بخلاف عيلة أبو أيمن أبازيد التي قضت جميعها في الثمانينات وبقي المنزل الفارغ دليلاً عليها… Continue reading

إياد الكوفي وفواز الأسد وهواك..

 f65f0f08-818a-415b-aa71-d34db0ddaef1_16x9_600x338

عنب بلدي، العدد 163

سنوات طويلة وأنا أحلم بهذا اللقاء، أخيراً أجلس وجها لوجه قبالة إياد الكوفي، كتلميذ يرنو إلى أستاذه رحت أتأمل تقاسيم وجهه، شعره الذي وخطه الشيب، ابتسامته التي تبدو تفصيلاً من تفاصيل وجهه (أو صوره الفيسبوكية على الأقل)، أنامله الذهبية التي تخط قصص فواز الأسد. بميكانيكية لا مثيل لها، يستحضر إياد كلمات قصصه عن فواز كما تستخرج حصادة حديثة سنابل القمح في حقل ناضج.

كان الكوفي يهم بكتابة قصة حصرية جديدة من قصص الراحل فواز عندما قاطعته بوجل، تجاسرت وطلبت منه بجرأة لا أعلم من أين استحضرتها أن يقص حكايته على مسامعي بدلاً من أن يكبردها كمنشور على جدران الموقع الأزرق. لم أعرف إن كان قد ابتسم قبل الطلب أم بعده، نظر إليّ بهدوء وبدأت الكلمات تخرج من فمه بآلية ليست بعيدة عن آلية كتابته:

“كنت في الثامنة من عمري، أتأمل البحر من شرفة المنزل عندما رأيت فواز الأسد لأول مرة، أربع سيارات دفع رباعي حديثة بشبابيك سوداء كانت تجوب شارع الكورنيش متعمدة استفزاز المارة بلا سبب، كان فواز غاضباً لأنه خسر قبل ليلة واحدة خمسة ملايين ليرة في جلسة قمار”. قاطعته: “كيف عرفت الرقم بالتحديد أستاذ إياد؟”. وكأنني لم أطرح سؤالاً أكمل حديثه: “صعدت إحدى السيارات إلى الرصيف مرعبة المشاة الذين أخذوا يركضون في مختلف الاتجاهات، كان فواز داخل السيارة يضحك بفجور”، سألته: “هل رأيته من على شرفتك وهو داخل السيارة يضحك رغم شباك السيارة الأسود؟”. ساكناً رمقني، وكأن سؤالي الغبي لم يكن استأنف مجرى حكايته: “استمرت السيارات الأربعة باستفزاز المارّة حتى اجتاحت إحداها بسطة أفوكادو لرجل بسيط كانت مصدر الرزق الوحيد لعائلة تضم ثمانية أطفال”، وبسذاجة لا مثيل لها قلت معجباً بفحولة صاحب البسطة: “اللهم صلّ على النبي”. Continue reading

فراس طلاس.. بورتريه

فراس طلاس

 عنب بلدي، العدد 148

——————————

زهرة النارنج، صديق البيئة، ثائر بلا قضية، جيمس دين الثورة السورية، المظلوم من كل الأطراف، ثروة وطنية، أمواله أهلية صرف، رأسمال محلي، بدأ حياته بزراعة البطاطا وأصاب نجاحاً مفاجئاً، خدمه الحظ، البطاطا خَلَفَت النفط كمادة مطلوبة عالمياً ومخزونها محدود. عشق الياسمين فأشاد تلالاً جرداء منه، وهو اليوم ياسمينة منفية في صحراء الخليج.

لديه علاقة خاصة مع ظرف المكان: الدفع من تحت الطاولة، اللعب من وراء الكواليس، تحريك الدمى من خلف الستار، رغم أنه لا يقبل أن يكون على الهامش. عميق، رومانسي، حسّاس، يقدس الحب العذري والعلاقات الإنسانية، حكمته في الحياة: “شوفوا العصفور كيفو مسرور، ما عندو قصور بس عندو حنان”. حداثي لغوياً، مع ثورة على قواعد اللغة العربية، إثر كل ستاتوس لفراس يتقلب سيبويه في قبره. Continue reading