لا يوجد عربي واحد (أو كردي ضمنا) لا يعرف أهمية الأم أغنيس الصليب ومكانتها لدى كل من نادى بالتحرر من سوكارنو إلى باتريس لومومبا، ودورها في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ أن كنا في منظمة شبيبة الثورة لحزب البعث العربي الاشتراكي. كانت صور الأم أغنيس كافية لبث الرعب في قلوب جنود الاحتلال والمدنيين الإسرائيليين وعناصر الفصائل الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين، خالقة بذلك نوعا من التوازن بين عناصر الاحتلال وأهلنا في الداخل بطريقة سلمية ما كان لعشرات العمليات العنفية أن تحققها. لذا كانت سوزان سونتاغ تستحضرها كمثال عن صورة الرعب في كل مرة كانت تحاول أن تؤرخ فيها لتاريخ التصوير.
في الثامن عشر من آذار من عام ٢٠١٢ وفي الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الثورة السورية، وصلتني على حسابي على فيسبوك الذي كان يحمل اسما مزيفا الرسالة التالية:
“ الأستاذ عبد الدافش المحترم
تحية طيبة
بتسلم عليك أم أغنيس
هل جاي عبالك تضع حدا للمأساة السورية؟
الأم أغنيس من الممكن أن تقابلك في كراجات السومرية أو في ضاحية الأسد
بالغ المودة والتقدير
نبيل سليمان”
فأجبت فورا:
“كفو”
فرد علي مباشرة:
“أشرقت الأنوار.. على رأسي والله، هل تأتي الأم أغنيس إلى السومرية؟”
ولانقطاع الإنترنت اتصلت فورا بالشخص وأخبرته أنني مستعد أن ألتقي أم أغنيس أينما شاءت كي لا أغلب أمّنا وأحملها مشقة، فأكد لي إصرار الأم أن تأتي برأسها لعندي لأنها لا ترضاها على حالها.
ورغم إصراري إلا أن الأم أغنيس أتت بنفسها إلى كشك للدخان المهرب قرب الكراج كان فارغا بسبب انشغال صاحبه في مهمة وطنية بالمعضمية.
كان اللقاء جياشا بالمشاعر وخاصة بعد انقضاء النصف ساعة الأول الذي احتجته لاستعادة رباطة جأشي، فإذا كانت صورتها كافية لبث الرعب فما بالكم باللقاء وجها لوجه.
المهم أخرجت أم أغنيس من ستيانتها ورقة وفردتها، وكانت تتضمن في عشرين سطرا حلا جاهزا للمسألة السورية بما يشمل حتى حلا جزئيا للوضع في العراق، وأشارت لي أنها مستعدة لاستخدام قفا الورقة لكتابة حل للوضع في اليمن لكن أولويتها الآن هي المشرق العربي.
وقعت الأم أغنيس على الورقة متعهدة بألا تسمح بطباعة صورها وألا تشارك في أي لقاء تلفزيوني بعد الآن وأكدت لي أن الرئيس بشار الأسد سيوقع عليها في حال وقعت عليها أنا.
تصنعت بعض التواضع وأكدت لها أنني لا أمون على مؤخرتي ولا أملك شيئا أقدمه للنظام في مقابل التنازلات الكبيرة التي يقدمها، وبعد أن ضحكت ورجوتها أن تبقى عابسة لأن ذلك أهون، قالت لي بحزم: يكفي أن تتعهد بالتوقف عن الكتابة الساخرة لأن في ذلك رحمة لجميع القراء ووقف نزيف الوطن.
طلبت منها أن تعيد كتابة الورقة لأن خطها بخري فواقفت، وباشرت بإعادة الكتابة وبعد ذلك وقعنا كلانا على الورقة وأخذت صورة عن الورقة بالموبايل، وانطلقت هي باتجاه مكان إقامة الأسد والذي يعرفه هيثم المالح.
بعد 45 دقيقة اتصلت الأم أغنيس وقالت لي إن السيد الرئيس خربط ومسح مؤخرته بالورقة بدلا من ورق التواليت.
أكتب هذه الشهادة بعد أن تتالت الاتهامات بحق الأم أغنيس، وأنا الذي أعرف أنها كانت دائما تطلب التخفيف عن المعتقلين عبر إعدامهم فورا كي لا يعانوا مرارة الاعتقال والتعذيب.
****
هذه الحادثة التاريخية تتشابه جزئيا، ويا للمصادفة، مع حادثة اللقاء بين المناضل السوري هيثم مناع والمطران هيلاريون كبوجي، والتي كتب عنها مناع هذه المقالة في موقع اسمه: كركدن
نكّاشة.كۆم 
الرجاء التحديث أكثر لأنني أحب صفحة مدونتك. شكر!