كي لا يتكرر انعزال “إعلان دمشق”

الحياة، 26/03/2015

ملاذ الزعبي

أوائل حزيران/ يونيو من العام 2009، شهدت بلدة الرحيبة في ريف العاصمة السورية دمشق مواجهات بين أهالي البلدة والسلطات على خلفية محاولة الأخيرة تنفيذ قرار بهدم عشرات المنازل المخالفة فيها. أدت هذه المواجهات إلى مقتل أربعة من سكان البلدة، بينهم طفل، وجرح عشرات آخرين وفق ما ذكرت حينها مصادر إعلامية تسرب لها الخبر بشكل أو بآخر، فيما لم تحظ هذه المصادمات بتغطية جديرة في الإعلام الرسمي.

هذه الاضطرابات الاجتماعية لم تكن الوحيدة التي شهدتها تلك السنوات، فبعض أرياف محافظة درعا شهد مصادمات بين نازحين من محافظة الحسكة نتيجة الجفاف وأهالي بعض القرى التي استوطن هؤلاء النازحون أراضيها. كانت كل هذه الأحداث، وربما غيرها مما لم نسمع به نتيجة التعتيم الإعلامي، إشارة بارزة إلى الأوضاع المعيشية التي تعانيها قطاعات عريضة من المجتمع السوري وما قد تعكسه هذه الأوضاع من اضطرابات اجتماعية لم يكن من الممكن تجنبها.

ما نريده من استحضار هذه الأمثلة، هو الإشارة إلى أن هذه الأحداث كانت تجري بمعزل عن أي تأثير من قبل أي من تشكيلات المعارضة السياسية، وفي مقدمتها “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”، الذي كان أكبر تحالفات المعارضة تلك السنوات. بالطبع، كانت سنوات القمع المديدة قد فعلت فعلها في قدرة المعارضة على التأثير، خاصة مع غياب الحريات الأساسية ومنع السياسة عن المجتمع، والضربات التي تلقاها الإعلان بالذات عبر اعتقال عدد من أبرز قادته.

لكن محدودية تأثير “إعلان دمشق” كان أيضاً لأنه لم يعط الحيز الكافي للعوامل الاقتصادية الاجتماعية التي كانت تؤدي إلى انحسار القاعدة الاجتماعية للنظام، وبالأخص منذ البدء بتطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي والخصخصة وما نجم عنها من بطالة وتهميش واسع للريف السوري والأحياء الشعبية والمدن غير الرئيسية، مقابل تركز الثروة في يد قلة من مسؤولي النظام ورجال الأعمال. فضّل الإعلان مركزة خطابه حول تغيير السلطة والديمقراطية، وهي أمور، على الرغم من أهميتها وأولويتها، ما كان لها أن تثير اهتمام الطبقات المسحوقة، أو على الأقل كان من الضروري العمل على ربطها المباشر بالحاجات المعيشية الملحة، وهو ما لم يكن. بدا معظم النشاط السياسي المعارض على الرغم من كل تضحياته وشجاعته الاستثنائية نشاطاً نخبوياً ومعزولاً بلا أي حامل اجتماعي. Continue reading

المعارضة السورية وموسكو: مقاربة قرغيزية

الخميس، ١١ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤

عام 2005، أطاحت احتجاجات شعبية عارمة اجتاحت قيرغزستان النظام السلطوي والفاسد للرئيس عسكر أكاييف، عُرفت هذه الأحداث لاحقاً بـ «ثورة التوليب» وصنّفت كثالثة الثورات الملونة التي شهدتها بلدان سوفياتية سابقة بعد «ثورة الورود» في جورجيا عام 2003 و»الثورة البرتقالية» في أوكرانيا أواخر 2004 ومطلع 2005.

البلدان الثلاثة كانت مسرحاً لنفوذ موسكو التقليدي، ولكن فيما انتهجت تبليسي وكييف سياسات ساعية للتحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والخروج من الجلباب الروسي، انتهج النظام القرغيزي الجديد، والذي أتى بزعيمي المعارضة كورمانبك باكاييف وفيلكس كولوف رئيساً ورئيساً للوزراء على التوالي، سياسات متوازنة تجاه موسكو. بل إن العام 2005 تحديداً شهد تطوير روسيا قاعدة «كانت» الجوية العسكرية الروسية – إحدى أبرز قواعد الإسناد الروسي في آسيا الوسطى، فيما احتلت روسيا في الأعوام القليلة التالية المرتبة الأولى من حيث حجم التبادل التجاري الأجنبي مع قيرغزستان.

أستخدم المثال القرغيزي وتبايناته الكبيرة مع المثالين الأوكراني والجورجي في هذه المقدمة، للقول إن تغييراً ديموقراطياً في بنية دولة مقرّبة من موسكو لا يعني بالضرورة تغييراً جوهرياً في تحالفات هذه الدولة الخارجية، أو أن تغييراً لتحالفات وعلاقات خارجية لدولة ما بعد تغيير ديموقراطي فيها قد لا يشمل العلاقات مع روسيا (في المثال القرغيزي نفسه تراجع التعاون الثنائي تدريجياً بين بيشكيك وواشنطن وصولاً لإغلاق قاعدة «ماناس» الأميركية في قيرغزستان العام الحالي).

أستخدم المثال القرغيزي غير البعيد زمنياً للمقارنة أيضاً بالوضع السوري الحالي، فمنذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، اتخذت موسكو موقفاً صلباً إلى جانب حليفها نظام بشار الأسد، توّجته باستخدام حق النقض (الفيتو) أربع مرات لمنع تمرير أي قرار ملزم أو مُدين للنظام في مجلس الأمن الدولي، عدا استمرار الدعم العسكري والديبلوماسي والاقتصادي لدمشق.

لكن كيف تصرفت المعارضة السورية تجاه روسيا؟ على مدى شهور عدة من عمر الثورة السورية لم ينفتح «المجلس الوطني السوري المعارض»، ومن بعده وريثه «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» على موسكو، ووصل الأمر إلى اتخاذ مواقف راديكالية ساذجة في الاتجاه المغاير كان أبرزها رفض رئيس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب دعوة الخارجية الروسية لزيارتها أواخر 2012، بل إنه دعا روسيا للاعتذار من الشعب السوري. لاحقاً زار أحمد عاصي الجربا، الذي خلف الخطيب على رأس الائتلاف، موسكو لكن من دون تقديم أي عرض أو ضمان حقيقي لها بخصوص مستقبل العلاقات بين البلدين في حال رحيل نظام الأسد، والأهم بخصوص مستقبل القاعدة البحرية الروسية في مرفأ طرطوس ذي الموقع الاستراتيجي – المنفذ الوحيد لروسيا على البحار الدافئة.

على الجانب الآخر، رمت «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» بنفسها في أحضان موسكو، منتهجة سياسة غير متوازنة تجاه القوى الدولية والإقليمية، مفضلة انحيازاً مؤدلجاً لمصلحة روسيا على الانفتاح البراغماتي على مختلف اللاعبين المؤثرين في الشأن السوري. والمفارقة أن هذا الانحياز المؤدلج الذي ما زال يتكئ على الإرث السوفياتي عندما كانت موسكو «الأخ الأكبر» للشعوب، يأتي في زمن طغت فيه البراغماتية على السياسة الروسية في عهد فلاديمير بوتين، والمفارقة الأكبر أن هيئة التنسيق قبل غيرها دفعت ثمن تحالفها غير المشروط مع موسكو عندما ضحت بها الأخيرة ووافقت على استبعادها من المشاركة في مؤتمر «جنيف2».

لا تبدو روسيا قابلة لتغيير جذري في موقفها السوري في المدى القريب، لكن انفتاحاً أكبر وأكثر براغماتية من قبل قوى المعارضة السورية على موسكو قد يساعد في تحقيق انفراج في هذا الاتجاه. فروسيا، كغيرها من القوى الدولية، لا مصلحة لها في دولة إسلامية ليست بعيدة من حدودها الجنوبية من جهة، وتضم أعداداً من المقاتلين الشيشان الذين يحملون الجنسية الروسية من جهة أخرى، كما تضم مقاتلين من دول آسيا الوسطى قد يشكلون خطراً على الأمن الروسي في حال عودتهم لبلدانهم. وحصول توافق دولي للإطاحة بالدولة الإسلامية ونظام الأسد معاً ليس مسألة مستحيلة، فالمثال العراقي الذي أطاح رئيس الوزراء نوري المالكي ما زال طازجاً، وإن كانت هنا ثمة حاجة لحصول افتراق بين الموقف الروسي ونظيره الإيراني، وهو أمر ليس بالمستحيل إذا حصل توافق مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى (سبق لموسكو أن توافقت مع القوى الدولية البارزة في الشأن الكوري الشمالي والليبي، كما مارست ضغطاً على طهران عام 2004 في سياق ملفها النووي).

قد تستطيع المعارضة السورية المساهمة جزئياً بالدفع نحو هذا التوافق إذا قدمت لروسيا مجموعة من الضمانات بدءاً من مستقبل قاعدتها العسكرية في طرطوس، مروراً بوضع الجالية الروسية في سورية والمواطنين السوريين من حملة الجنسية الروسية، ومن ثم علاقات سورية الإقليمية والدولية، وليس انتهاء بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وبخاصة في مجال عقود التسليح العسكري والطاقة وإعادة الإعمار. قد لا يكون الأمر بهذه البساطة، لكن لا ضير من المحاولة!

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا

عدو «حزب الله» الذي لا ينضب

الأربعاء، ٦ أغسطس/ آب ٢٠١٤

«حزب الله» وكيل إيران في لبنان، هو في ذلك شقيق للنظام السوري، الوكيل العلماني للثورة الخمينية في دمشق، والشقيقان لا يشبهان بعضهما في الوكالة الإيرانية وحسب، بل هما كذلك، وعلى رغم اختلاف السياق وطبيعة النظام السياسي، كيانان يسعيان الى البقاء على رأس السلطة، كل في بلده.

في هذا توسل الحزب اللبناني منهجاً مختلفاً عن شقيقه السوري، لاختلافات في السياق وطبيعة النظام السياسي. ذاك أن النظام الطوائفي في لبنان كان يعني أن يحتاج الحزب أولاً إلى تفوق على الأحزاب والقوى التي يفترض بها تمثيل الطوائف الأخرى، فتحقق للحزب ذلك منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي باحتكاره سلاحاً وقوة عسكرية فاقت بمراحل حتى ما تملكه الدولة اللبنانية. كانت أمام الحزب مهمة أخرى أهم، تتمثل في ضمان ولاء مستمر له من جمهور طائفته حتى لا تتكرر تجارب ميليشيوية لبنانية أخرى.

ذاك أنه بعد 1983، عاش لبنان تجربة الكانتونات التي أنشأتها قوى متحاربة أو متحالفة في الحرب الأهلية. ولكن بعد استقرار كل كانتون على حدوده واقتصاده المافيوي وانتهاء المعارك والمواجهات مع قوى الكانتونات الأخرى، بدأت الشرعية الميليشيوية تتآكل داخل الكانتونات في غياب أي تهديد جدي من الآخر، فلم يعد العدو الخارجي مجدياً، ولم يعد المبدأ البسيط «نحن سنحميك من الآخر الساعي الى قتلك» قابلاً للتطبيق، فمارست هذه الميليشيات عنفاً داخلياً موجهاً نحو من تُدّعى حمايتهم.

لتجنب هذه المشكلة، ستسعى «دولة حزب الله» إلى اختلاق عدو دائم، لا يفنى ولا ينضب، لكنه لن يكون أبداً العدو الإسرائيلي على ما حاولت تصويره الماكينة الإعلامية لمحور الممانعة على مدى سنوات، بل سيبقى العدو الدائم، كما في أي نظام طائفي، متمثلاً بالآخر الطائفي، لا بالآخر الإسرائيلي حتى لو كان الأخير ينتهج سياسات كولونيالية وتوسعية. وكان الربط ضرورياً بين إسرائيل ورموز السنية السياسية في لبنان أو في الخليج لتحقيق أعلى درجات الالتفاف حول الحزب لدى جمهوره، كي تكون المعركة في مواجهة الآخر الطائفي، قبل أن تكون في مواجهة «العدو» الإسرائيلي. الالتفاف الصلب في الحالة الأولى سيكون بديهية غير قابلة للنقاش، والتململ متاح في الحالة الثانية، وبخاصة مع مقدار الدمار الذي كان يلحق بالجنوب اللبناني أو بضاحية بيروت الجنوبية. كان يتم تجنب هذا التململ في سنوات المواجهة مع إسرائيل عبر ربط تل أبيب بتيار المستقبل تارة وبالسلفية الجهادية تارة أخرى أو بالقاعدة أو بما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي.

في حالة الثورة السورية، ولتبرير انخراطه في قتالها أمام جمهوره، يستحضر الأمين العام للحزب حسن نصر الله وماكينته الإعلامية خطاب «الحركات التكفيرية» و «حماية المراقد»، وهو خطاب أو تبرير يبدو فاعلاً بعد نحو خمسة عشر شهراً على تحول مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سورية إلى العلن، من دون أدنى تململ من جمهور الحزب الإلهي في مواجهة سيل جثامين المقاتلين المتدفقة من القلمون وحلب وريف دمشق وغيرها. دع جانباً النقاش حول خيار الانتصار للنظام السوري، الذي يعرفه اللبنانيون جيداً، في مواجهة شعبه المنتفض عليه.

أما في ما خص أخبار المشاركة في القتال في العراق، فالمؤكد أن نصر الله في غير مرة أتى على ذكر ما وصفه بالاضطهاد والاعتداءات على الشيعة في العراق وفي باكستان. فهل سيكون من المستغرب أن نرى يوماً جثامين لمقاتلين من «حزب الله» قضوا في بيشاور بعدما ذهبوا للقتال في كراتشي «حماية لأحد المراقد» هناك؟ من يعلم؟

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا

أوروبيون يروون حكاية الثورة السورية لمواطنيهم

الإثنين، ١٦ يونيو/ حزيران ٢٠١٤ 
صحيفة الحياة

عام واحد تقريباً، هو مجموع ما قضاه ماتياس كريستيانسن (33 سنة) في سورية على مدى أربع زيارات، ابتدأت بزيارة قصيرة عام 2007 وانتهت بتسعة أشهر ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 2010 وحزيران (يونيو) 2011، إذ غادر البلاد بشكل نهائي بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة واتساع رقعة الاحتجاجات.

لكن العام اليتيم هذا كان كافياً ليخلق ارتباطاً من نوع خاص بين الشاب السويدي والبلد الشرق أوسطي، توّجه بإطلاق مشروع إعلامي بعنوان «الناشطون السوريون الشباب Young Syrian Activists» يهدف إلى نقل صورة مختلفة عن الأحداث السورية إلى الجمهور الأوروبي.

كريستيانسن الذي جال في أنحاء سورية خلال عمله مع الصليب الأحمر الدنماركي يقول لـ»الحياة» إنه شعر «بالغرابة بعيد المغادرة»، ويضيف: «كان صعباً أن تسافر من أجل عمل جديد في (العاصمة البلجيكية) بروكسيل، شعرت أنني أتمتع بامتياز لا يملكه السوريون الذين كان عليهم أن يواجهوا مصائرهم».

المقاربة الإعلامية للحدث السوري في وسائل الإعلام الغربية دفعت كريستيانسن للانطلاق في مشروعه. «ثمة نقص في نقل قصص المواطنين السوريين وثمة نقص أيضاً في التغطية الإعلامية حول ما هي سورية وما كانت عليه، هناك تركيز كبير على القتال بينما يغيب تناول الكيفية التي بدأ فيها كل هذا وبخاصة قصص الأفراد العاديين»، بحسب ما يوضح.

يشير الشاب الحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة لندن إلى أن «الإعلام الأوروبي يركز على قضايا التسليح واللاجئين والإرهاب والأسد»، وفيما يؤكد أهمية تركيز وسائل الإعلام على هذه القضـــايا يرى أن «جزءاً من النقص بمساعدة اللاجئين على سبيل المثال يرجع لنقص المعلومات حول سورية، فالجمهور الأوروبي لا يعرف تفاصيل ما وراء هذه الأخبار»، وهو يرى أن التظاهرات التي اندلعت في تركيا وتونس ومصر أحدثــت رد فـــعل مختلف لدى الغربيين لأنهم شعروا أنهم على علاقة ما بهذه الدول أو سبق لهم أن زاروها وبشكل أخص مدينة إسطنبول التركية.

توافرت لدى كريستيانسن الفرصة للحصول على تمويل جزئي للمشروع من مكان عمله الحالي، وهو منتدى الشباب الأوروبي، وتم تأمين جزء آخر من التمويل عبر منظمتين غير حكوميتين بالإضافة إلى تلقي تبرعات محدودة من أفراد. فانطلق المشروع بالتعاون مع شابين أوربيين آخرين، البلجيكي فيليب هايجنز (30 سنة) والبريطاني توماس سبراغ (28 سنة).

في حزيران (يونيو) من العام الماضي، سافر فريق العمل إلى لبنان وتركيا حيث صورا فيلماً وثائقياً يتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة عليه فيما تم إطلاق إعلانه الترويجي، ومن المفروض أن يعرض هذا الصيف على أن يشارك في مهرجانات للسينما الوثائقية، ويتضمن لقاءات تم إجراؤها في بيروت وعاليه في لبنان ومدينتي غازيعنتاب وهاتاي في تركيا مع 13 ناشطاً وناشطة ينحدرون من مناطق وطوائف واتجاهات مختلفة في سورية. ويسعى الفريق إلى إقامة معارض تصوير فوتوغرافي تعرض جانباً من حياة الناشطين إلى جانب أعمال لفنانين سوريين، فيما تتم دراسة خيار جمع صور الناشطين وحكاياتهم في كتاب.

يرى كريستيانسن الذي لعب دور المنتج المنفذ للفيلم وشارك بإعداده على رغم أنه لا يملك أي خلفية سابقة في عالم الأفلام الوثائقية أن المشروع يأخذ شكل «الديبلوماسية العامة» التي تسعى لإقناع الجمهور بقضية ما، وهو يعتقد أن «الناشطين السوريين كانوا جيدين بنقل الرسائل داخل بلدهم، لكنهم لم ينقلوا رسائلهم إلى الخارج، ولم يطوروا بنى أو مؤسسات تتجاوز المستوى الفردي مما سهّل على النظام استهداف الثورة لأنها مبنية على أفراد أكثر من مؤسسات أو تنظيمات».

يلفت كريستيانسن إلى أن المشروع نجح حتى الآن في «بناء جسر بين عدد من الصحافيين الغربيين والناشطين السوريين حيث لا تتوافر دائماً معلومات للاتصال بالناشطين»، مضيفاً أن موقع المشروع على شبكة الإنترنت هو «فضاء عام لناشطي المجتمع المدني السوري»، لكن العمل واجه أيضاً بعضاً من العوائق في مقدمها «تردد الناشطين عنــــدما يتعلق الموضوع بالأجانب» وهو ما يعزوه الشاب السويدي إلى «العزل الذي فرضه نظام الأسد على سورية على مدى عقود وبالتالي تعممت ثقافة من التردد تجاه الأجانب بين السورييـــن». عـــائق آخر واجهه فريق العمل، «عـــندما بـــدأنا المشروع، بدا لـــنا أن عدداً كبيراً من الناشطين كانوا سئموا من الحديث للإعلام»، وفق ما يقول كريستيانسن الذي لم يسأم من محاولاته نقل صورة مخــتلفة لما يجري في سورية.

«بسيطة»…سوريون يسخرون من أحوالهم

Image

الإثنين، 19 مايو/ أيار 2014

ملاذ الزعبي

صهيب الزبن (32 سنة)، أردني ولد ونشأ في سورية وغادرها بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد. ثائر والي (33 سنة)، دمشقي مقيم راهناً في العاصمة الأردنية عمّان. ولاء خرمندة (24 سنة) حلبية نشأت في دمشق ومقيمة حالياً في عمان. الأسماء الثلاثة السابقة هي لأعضاء فريق عمل برنامج «بسيطة» الذي يبث عبر موقع «يوتيوب»، وينتقد بشكل ساخر الأوضاع السياسية في سورية وانعكاساتها، وقدم حتى الآن خمس حلقات تراوح عدد متابعيها بين 1600 متابع تقريباً بالحد الأدنى ونحو 4200 متابع بالحد الأقصى.

لمعت فكرة البرنامج في ذهن الزبن بعد أن حقق شعبية عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، إذ كانت تعليقاته المتواترة والساخرة تحصد متابعة كبيرة ويتناقلها كثر. وارتأى المهندس المعماري أن من الأفضل تحويل مضمون المادة الفايسبوكية إلى نتاج مسموع ومرئي بدلاً من أن تكون مقروءة فقط. وجاء ذلك، بحسب الزبن، بالتزامن مع ازدياد الحاجة إلى «برنامج ناقد ساخر غير خاضع لأي أجندة ومن دون حدود», مشيراً إلى أن خيار إعداد برنامج يوفر القدرة على إدخال مقاطع بصرية أخرى يساعد على إيضاح الأفكار.

وبهذا حوّل الشاب الأردني الجنسية، السوري الهوى، مكتبه الخاص إلى استوديو البرنامج وتكفل وحده بكتابة نصوص الحلقات وإعدادها والإشراف على الصوت والإضاءة ومن ثم التصوير والمونتاج والإخراج عدا عن مشاركته أحياناً بالتقديم، على رغم أنه لم يعرف العمل الإعلامي قبل الثورة السورية.

مقدم البرنامج ثائر والي لم يأت من خلفية إعلامية أيضاً، مهنته الأصلية «شيف» ويعمل حالياً في التجارة. قادته الصدفة والفايسبوك إلى هذا الطريق. ويقول ابن حي «ساروجة» الدمشقي لـ «الحياة» إنه أنتج فيديو قصيراً لانتقاد موقف أحد الإعلاميين، فنال ثناء أصدقائه الشخصيين والافتراضيين، كما نصحه أصدقاء إعلاميون بمواصلة المسير في هذا المجال.

شاهد الزبن فيديو والي وأُعجب باندفاعه وجرأته بالوقوف أمام الكاميرا على رغم أنه هاو، وتزامن ذلك مع تحضيره لإطلاق البرنامج، فكانت بداية شراكتهما، لتنضم إليهما لاحقاً خرمندة وتشارك بإعداد وتقديم فقرتين في الحلقتين الثانية والثالثة كرستهما لمقاربة قضايا المرأة وشؤونها وشجونها، مستفيدة من خبرتها في مجال الإعلام النسوي عبر تأسيسها وإدارتها مجلة «بنات البلد» التي توقفت لاحقاً لغياب التمويل.

ويشير القائمون على البرنامج إلى أنهم يهدفون إلى نشر الإعلام الساخر «الغائب عن مؤسسات الثورة الإعلامية» على أمل الوصول إلى برنامج احترافي متخصص بالشأن السوري، بالإضافة إلى «التعبير عن الرأي كممارسة ومكتسب من مكتسبات الثورة والتأكيد على مشروعية حرية الرأي حتى لو عبر الطرح التهكمي أو التحليل الساخر للأوضاع السياسية».

ويؤكد الزبن أن لا أحد فوق النقد وأن الجميع سيلقى نصيبه مع التشديد على تجنب «تناول الإشاعات أو الخوض في الأمور الشخصية»، ويضيف: «النظام لا يحتاج إلى نقد بل إلى مجرد تسليط الضوء على مهازله ووقاحته وكذبه اليومي فيما المعارضة تحتاج للنقد من أجل تصحيح المسار». ويتفق والي مع الزبن في ضرورة انتقاد النظام والمعارضة على السواء. ويلفت إلى أن نقد الأخيرة قد يحتل أولوية أحياناً «لأن غباء وسائل إعلام النظام أكثر من كاف فيما نقد المعارضة ضروري لتصحيح أدائها وتنبيه كل السياسيين في سورية المستقبل إلى أن لا أحد على رأسه ريشة».

ويعزو والي عدم قدرة البرنامج على حصد متابعة كبيرة مقارنة ببرامج سورية أخرى إلى وقوف شركات إنتاج ومنظمات داعمة خلف البرامج الأخرى بما يساعدها على الترويج والإعلان عن حلقاتها، وهو ما لا يتوافر لـ «بسيطة»، بل إن غياب التمويل دفع فريق العمل أحياناً إلى التغيب لفترات نظراً إلى انتفاء العائد المادي من البرنامج، وعلى رغم ذلك فهو يعتبر أن نسبة المتابعة والمشاهدة جيدة ومقبولة بالنظر إلى الصعوبات وعدم توافر جهة منتجة. أما الزبن فيعبر صراحة عن رفضه لأي تمويل قد يأتي من جهة محسوبة على تيار سياسي لأن ذلك قد يؤثر على استقلالية البرنامج ويحوله إلى منصة «تشهير وفضائح».

بالنسبة إلى خرمندة فهي تخشى تكرار تجربة مجلة «بنات البلد» لأن «ظرف اللجوء الذي نعيشه يجعلنا غير قادرين على التفرغ لعمل تطوعي، على سموه، في الوقت الذي نحتاج به تأمين الحاجات الأساسية من خلال عمل مأجور» وفق ما تقول. وتحذر من عائق آخر قد يواجه «بسيطة» وهو متعلق «بمحتوى البرنامج فالسخرية سلاح ذو حدين وشعرة بسيطة تفصل بين المضحك والمبتذل». يقر الزبن بحاجة البرنامج إلى الانتشار والوصول إلى عدد أكبر من الجمهور، وبحاجته إلى فريق عمل محترف لأن القسم الأكبر من العمليات الفنية يتم تنفيذه بإمكانات بسيطة، ومع ذلك فهو لا يخفي تفاؤله النابع من قصة البرنامج التي يختصرها بالقول: «للمرة الأولى أكتب سيناريو حلقة، للمرة الأولى أصور، للمرة الأولى أقوم بالمونتاج، للمرة الأولى أنشئ قناة على يوتيوب، للمرة الأولى أظهر أمام الكاميرا كمقدم، وفجأة وجدنا بين أيدينا برنامجاً… حدث كل ذلك بشكل صاعق وسريع ورائع».

……………………………

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضعط هنا 

عن مقاربة المسألة العلوية بين السوريين اليوم

الحياة

الاثنين 24/02/2014

ملاذ الزعبي

تنتشر بين السوريين اليوم، أقله بين الفاعلين منهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مقاربتان أساسيتان لقضية علويي سورية، وكلتاهما لا تقود إلى بناء أرضية من أجل سورية لجميع السوريين.

ترتكز الأولى على خطاب طائفي إقصائي انتقامي، يقولب العلويين ويضعهم جميعاً في سلة واحدة، ويعبر صراحة عن الرغبة في إبادتهم أو استعادة تاريخ اضطهادهم، وصولاً إلى سن قوانين تمييزية ضدهم، بل حتى إجراءات عنصرية تلعب على نكء جراح ذاكرتهم الجمعية بما يعزز سرديتهم المظلومية، تبدأ من إبعادهم عن المناصب العليا في الدولة السورية ولا تنتهي عند منعهم من المشي على الرصيف!

أما المقاربة الثانية، فترتكز على خطاب إنشائي فارغ، لا يريد أن يرى المشكلة، ولا أن يعترف بالموقع الامتيازي للطائفة العلوية في بنية النظام السوري اليوم، أو بالعصبية الطائفية (أو ربما القلق الوجودي) التي جعلت معظم العلويين يلتفون حول نظام الإجرام والاستبداد الأسدي ومشاركته في ارتكاب مجازر وانتهاكات قد يكون فعلاً من الصعب حصرها. Continue reading

ناد سينمائي سوري في بيروت … وطن صغير لـ«غير المقاتلين»

جانب من الحضور خلال عرض فيلم في مقهى «نسوية » (الحياة)
بيروت – ملاذ الزعبي
 
الحياة
الإثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠١٣

في مقهى «نسوية» في منطقة مار مخايل في بيروت امتلأت المقاعد وازدحمت فيما وجد بعض الحضور حلاً في الاستناد إلى الحائط وقوفاً، لكن الرواد هنا لم يأتوا لاحتساء القهوة والدردشة مع الأصحاب، بل هم جمهور فيلم سينمائي يعرضه النادي السينمائي التابع لـ»الرابطة السورية للمواطنة» الذي يقدم عروضه مجاناً بالتعاون مع فضاء «نسوية».

بدأ النادي نشاطه في أواسط أيلول (سبتمبر) الفائت بمبادرة من مؤسس الرابطة الأكاديمي والباحث السوري حسان عباس، مستعيداً فيلم نضال الدبس «تحت السقف» المنتج عام 2005، ليسير النادي في برنامج ثابت يتضمن عرضين شهرياً، يلي كل عرض نقاش بين الحضور، والمخرج إن أمكن حضور الأخير، وهو ما حصل في أربعة عروض من خمسة حتى الآن.

ويسعى النادي الذي لا يقتصر حضوره على السوريين إلى تعزيز الثقافة السينمائية من جهة وإلى عرض أفلام ترتبط بشكل أو آخر بقضايا المواطنة من جهة أخرى. وهو في هذا السياق عرض أربعة أفلام سورية هي، بالإضافة لـ «تحت السقف»، «زبد» لريم علي، و»حكايات حقيقية عن الحب والحياة والموت وأحياناً الثورة» لنضال حسن، و»عالشام عالشام» الذي حققه كل من نبيل المالح وألفوز طنجور وعمرو سواح، والفيلم اللبناني «أبي ما يزال شيوعياً» لأحمد غصين. أما الفيلم المقبل المقرر عرضه في الحادي والعشرين من الشهر الحالي فهو «الليل الطويل» لحاتم علي، بينما يضم جدول العروض في الشهر المقبل فيلمين للمخرجتين السوريتين هالا محمد وهالة العبد الله.

ويقول حسان عباس لـ «الحياة» إن الهدف من إقامة النادي ينظر إليه على ثلاثة مستويات، أولها «المستوى الإنساني فهذا الفعل يقول للناس إنه على رغم كل ما يجري في سورية والذي أثر سلباً في جميع السوريين بدرجة أو أخرى، هناك سوريون متعلقون بالحياة، وهناك إنسان سوري ينتج أفلاماً ويرى أفلاماً ويناقش ويتابع نشاطاً جميلاً لأن لا حرب في العالم تنهي الإنسانية».

والمستويان الثاني والثالث، وفق عباس هما فكري واجتماعي «حيث يتواجد في لبنان عدد من الشباب السوريين لديهم طاقة لا يتم استثمارها وتستنزف في صعوبات الحياة اليومية، أو بعمل قد يمنعها من أن يشحذ ذهنها، فيجتمع كل أسبوعين من 50 إلى 100 شخص من مشارب ومناطق وأفكار وطوائف متعددة ضمن نشاط جماعي مشترك يحضنهم كوطن صغير».

لكن ألا يعتبر ناد سينمائي سوري في لبنان ترفاً، مع وجود ما يقارب مليون لاجئ في هذا البلد وحده، وفي ظل كل ما يجري؟ يطرح الأكاديمي السوري مزيداً من التساؤلات للإجابة عن هذا السؤال: «هل يعني الترف أن نبرز صورة موحدة عن سورية عبر عمل ثقافي فكري؟ وهل يجب في هذه اللحظة أن نذهب ونقاتل لأن هناك الكثير من القتل؟ هل الشكل الوحيد لتعريف السوريين الآن هو العمليات الإجرامية؟».

ويردف قائلاً: «من يرى في هذا ترفاً فهو لا ينظر إلى سورية إلا أنها كيان انتهى وقضي عليه ومحكوم بأن يستمر في القتل، ما نقوم به ضرورة لإبقاء صورة سورية الحية والإبداعية والممكنة في المستقبل. فجميع الناس ليسوا مقاتلين والفكر شكل من أشكال المقاومة».

ورداً على الانتقادات بخصوص عرض أفلام غير متعلقة بالراهن السوري، يقول عباس: «هاتوا فيلماً له علاقة بالراهن السوري لنعرضه مباشرة»، مشيراً إلى أن «هذا نداء إلى كل السوريين الذين اشتغلوا أفلاماً ويحبون أن نعرض أفلامهم».

أما في ما يخص اقتصار العروض على الأفلام السورية (باستثناء واحد منها)، يقول عباس ضاحكاً: «ربما هذا هو الترف فالجمهور في معظمه سوري،

وفي لبنان هناك نظرة غير دقيقة عن السوريين ومن المفيد خلق مكان يقول للبنانيين أن السوريين يشتغلون أيضاً بأشياء أخرى ثقافية البعد ومن سوية عالية».

ويشدد عباس الذي يدير الحوارات التي تلي عرض الأفلام على سبب أساسي يؤدي إلى اختيار أفلام سورية أيضاً، وهو أن لبنان يملك حرية كبيرة في متابعة الأفلام وعرضها وطرحها في الأسواق على أقراص DVD، أما الأفلام السورية التي عرضها المحترف فليس من السهل إيجادها في أي مكان آخر.

ويرى السينمائي السوري نضال حسن أن «أي عرض سواء في ناد أم في مهرجان أم في عرض تجاري لفيلم، يشكل فرصة لمعرفة الانطباعات العامة عن الفيلم، أما في النادي فهناك فرصة للاستفاضة في التفاصيل، والتي قد تتضمن أشياء شخصية وذاتية».

ويرى حسن إن النقاش مع الجمهور يساعد صانع العمل على فهم فيلمه أحياناً ويضيء أشياء قد لا يراها هو نفسه، وهو أمر مغنٍ.

وتقول المنسقة العامة لـ «نسوية» فرح سلكا إن «النشاط فاق التوقعات، وهو في تطور مستمر سواء من ناحية الأفلام أم عدد الحضور»، وتزيد: «لطالما تابعت نشاطات أندية سينمائية في لبنان، لكن هذه المرة الأولى التي أتابع فيها نقاشاً ثرياً كهذا».

 

http://alhayat.com/Details/575347

لمقاتلي «الجيش السوري الحر» مسلسلهم أيضا

 ملاذ الزعبي
صحيفة الحياة
الإثنين ٢ سبتمبر ٢٠١٣

يجلس كل من علاء ومحمد وحسن إلى طاولة أمام عدسة كاميرا رقمية، فيما يقف فادي خلفها، وبمجرد أن يومئ الأخير بيده يباشرون بتمثيل مشهد حواري ساخر يحاكي برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، إلا أن هديراً مفاجئاً لمقاتلة حربية تحلق في المنطقة يجبرهم جميعاً على التوقف والبحث عن ملجأ خشية القصف.

الأسماء المذكورة لا تعود لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أو لفنانين هواة يبحثون عن فرصة تفتح لهم أبواب الشهرة وتقودهم إلى عالم النجومية، بل هي أسماء مستعارة لمقاتلين في «الجيش السوري الحر»، استغلوا استراحة بين معركة وأخرى في حي «طريق السد» بمدينة درعا لإنتاج مسلسل يهدف إلى «إخراج الناس من الروتين اليومي الذي نعيش فيه منذ فترة»، بحسب وسيم مسالمة (32 سنة)، أحد المشاركين الأساسيين في العمل وكاتب معظم حلقاته.

يحمل المسلسل عنوان «بقعة ضوء حورانية» وشهد إنتاج تسع حلقات حتى الآن، تم بثها جميعها عبر قناة خاصة به على موقع «يوتيوب»، كما بثت قناة «18 آذار» بعض لوحات العمل الذي يحاكي في عنوانه مسلسل «بقعة ضوء» الكوميدي الذائع الصيت، إذ تم استخدام الموسيقى التصويرية ذاتها وأغنية الشارة ذاتها أيضاً والتي غنتها الفنانة السورية ديمة أورشو.

يوضح مسالمة، وهو خريج كلية الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق ومنشق عن جيش النظام السوري منذ بدايات صيف العام الماضي، أن للمسلسل هدفاً آخر أيضاً يتمثل في «وضع الناس بصورة الأوضاع العامة والأحداث التي نعيشها».

امكانات متواضعة

أنجز المقاتلون الفنانون حلقات مسلسلهم الناقد والساخر بإمكانات غاية في التواضع وبمدد زمنية مختلفة تبعاً للظروف، استهلوها مطلع رمضان بلوحة تقارب انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بعنوان «أنت فين والليرة فين» لتوجه الحلقات التالية سهام سخريتها ونقدها اللاذع إلى أفعال النظام السوري وأجهزته الأمنية وحتى إلى بعض تصرفات الثوار وإلى الحاضنة الاجتماعية للثورة وللمجتمع الدولي.

يشير مسالمة، وهو من أبرز الناشطين الإعلاميين في مدينة درعا، إلى أن فريق العمل الذي يصل إلى عشرة أشخاص، يواجه عدداً من المصاعب أهمها «قلة المعدات وغياب الخبرة في عملية المونتاج وهو ما أدى إلى تأخير عرض بعض الحلقات»، مضيفاً أن عمليات التصوير حالياً متوقفة بسبب «بعض الإصابات» بين المقاتلين الفنانين، بالإضافة إلى «ارتباط عدد من المشاركين بالمسلسل بالمعارك الحالية بأحياء المدينة».

لا نعرف الأسماء الحقيقية للممثلين والفنيين المشاركين في إنجاز العمل، هكذا تتالى على الشارة أسماء حركية يستخدمها الناشطون والمقاتلون، فالتصوير يتكفل به أبو الغيث وأبو قصي وعمليات المونتاج يجريها أبو حسن وأبو جنين وأبو السيم سويدان والإشراف العام لأبي وليام، فيما تتداخل المهمات بين هؤلاء جميعاً، فالمصور في حلقة هو ممثل في أخرى، ومونتير الحلقة الثالثة مثلاً قد يتحول إلى مصور في الحلقة السابعة، أما نصوص الحلقات ففي معظمها من أفكار وسيم مسالمة بالإضافة إلى لوحتين لأمل خليلي.

أتاحت الحلقات أن نسمع اللهجة المحلية المحكية في مدينة درعا والتي كانت بطلة في العمل هي أيضاً، بدلاً من أن تكون موضوعاً للسخرية، كما درجت العادة في مسلسلات كوميدية سورية كانت تعمد إلى استغلال اللهجات المحلية واستخدامها بشكل تهريجي كوسيلة وحيدة لإضحاك المشاهد.

يؤكد مسالمة أن حلقات مسلسله حصلت على متابعة جيدة من الأهالي في محافظة درعا على رغم التواتر الكبير في انقطاع الكهرباء وغياب خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في المحافظة، مشيراً إلى أن صفحة المسلسل على موقع «فايسبوك» تتلقى رسائل تستفسر عن سبب التأخير ببث حلقات جديدة.

ويلفت الناشط الإعلامي إلى أن المسلسل مستمر، ولن يـــكون مجرد حـدث رمضــانـي على رغم أن انــطلاقــتـــه تـصادفـت مع بـدايـات الشهر الفضيل، إلا أن استئناف التصـويـر مؤجـل إلى حين، نتيجـة اشـتـداد حـدة المعـارك حالياً وبخاصة في أحياء «درعا المحطة»، مع تواصل القصف المدفعي والصاروخي وغارات مقاتلات الميغ.

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا

«خبز وملح» مبادرة سورية تجاه «المضيف» اللبناني

P1030555
بيروت – ملاذ الزعبي
صحيفة الحياة اللندنية
الإثنين ١٩ أغسطس ٢٠١٣

تقف هبة (28 سنة) أمام إشارة ضوئية عند دوار «التل» بالقرب من مبنى بلدية طرابلس شمال لبنان، وتستغل وقوف السيارات لتبدأ الفتاة السورية بتوزيع صرّة تحتوي حبات عدة من التمر على سائقي المركبات العابرة، مشفوعة ببطاقة كرتونية صغيرة كتب عليها: «عربون محبة من أخوتكم السوريين، نشكر لكم ضيافتكم وقت شدتنا».

غير بعيد من هبة، تجول آية (27 سنة) في شارع «عزمي بك» التجاري حاملة طبقاً يحوي عدداً من الصرر ذاتها، وتوزعها على أصحاب المحال والزبائن المتجولين في الشارع، فيما ترتدي بلوزة رمادية اللون، كتب عليها «شكراً لبنان».

توزيع التمور هذا، هو أحد النشاطات التي تنضوي تحت حملة «خبز وملح» لتوجيه الشكر إلى الشعب اللبناني، والتي ينظمها «فريق ورد للدعم النفسي والاجتماعي»، بمشاركة عشرات المتطوعين من الشباب السوريين اللاجئين أو المقيمين في لبنان.

ولم يقتصر هذا النشاط على طرابلس، اذ أسهم نحو خمسة وعشرين متطوعاً بتنفيذ نشاط موازٍ وتوزيع صرر التمر وبطاقات الشكر في منطقة الناعمة بقضاء الشوف وفي نقاط عدة في العاصمة بيروت منها السوديكو والحمراء وعائشة بكار وفردان والروشة والجميزة.

وفريق «ورد» تأسس في شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي، ونفذ منذ تأسيسه نشاطات دعم نفسي وترفيه للأطفال اللاجئين وفعالية بعنوان «فشة خلق» لتفريغ الضغط النفسي عند الجرحى وتحفيز الإمكانات الفنية لديهم، إضافة إلى عرض أفلام توعوية عن قصص نجاح لأشخاص تغلبوا على إعاقتهم الجسدية وتكيفوا معها، عدا عن دورات في اللغة الإنكليزية والحاسوب وتوفير علاج لبعض الحالات.

وفي آخر أيام شهر رمضان، شارك عشرون متطوعاً ضمن الحملة في تنظيم ودعم الإفطار اليومي الذي دأبت على إقامته طيلة أيام الشهر منظمة «سيدارز» اللبنانية لعدد من الفقراء والمحتاجين اللبنانيين في حديقة «المفتي حسن خالد» في منطقة تلة الخياط ببيروت، كما شاركوا في تنظيم نشاط ترفيهي للأطفال تلا الإفطار.

ثالث نشاطات الحملة اتخذ من بلدة القلمون المجاورة لطرابلس مسرحاً له أول أيام عيد الفطر، ففي البلدة الصغيرة التي استضافت مئات العائلات السورية، أقيمت صلاة العيد في واحد فقط من مساجدها باتفاق مع رجال الدين فيها، ومن ثم وزع عشرة متطوعين معمول العيد المرفق ببطاقة شكر على المصلين أثناء خروجهم من المسجد.

ويختصر مؤسس ومدير فريق «ورد» أشرف حفني (29 سنة) السبب الرئيس الذي دفع إلى إطلاق الحملة بـ «الإحساس بمدى الضغط والعبء الذي يسببه العدد الكبير من اللاجئين السوريين على المجتمع اللبناني»، ويوضح حفني لـ «الحياة» أن «تزايد أعداد اللاجئين في بلد صغير وغير مستقر اقتصادياً دفعنا لتوجيه الشكر له كأقل ما يمكننا فعله تجاه ما قدمه خلال العامين ونصف الماضيين».

ويضيف حفني مجموعة أخرى من الأهداف التي يأمل أن تحققها حملة «خبز وملح» ومنها «تخفيف أي احتقان أو توتر قد ينشأ نتيجة الأعداد الكبيرة من اللاجئين ووجود حال من التململ لدى المجتمع الحاضن، والبحث عن مساحة مشتركة بين السوريين واللبنانيين، وتحريك الإعلام في ما يخص هذه القضية وبخاصة أن المدى الزمني لبقاء اللاجئين غير واضح».

في النصف الثاني من شهر آب (أغسطس) الحالي، تستأنف الحملة نشاطاتها عبر مشاركة عدد من متطوعيها في مخيم «أرنون» قرب قلعة الشقيف والخاص بمؤسسة «كنزة وسنبلة للإغاثة اللبنانية» والموجه لذوي الحاجات الخاصة، إذ سيقدم أعضاء فريق «ورد» الإسناد اللوجستي للمخيم وتقديم جلسات تفريغ ودعم نفسي للأطفال، وهو اختصاص الفريق أصلاً.

وتسعى الحملة التي اعتمدت على الدعم العيني المتواضع من جمعيات ومنظمات لبنانية ودولية، الى تنفيذ نشاطات بيئية في المجتمع المحلي كتجميل مناطق وتنظيف شواطئ وبخاصة مع نهاية موسم الاصطياف في أواخر شهر أيلول (سبتمبر) المقبل.

ويقر حفني بأن الحملة التي ينفذها عدد محدود من المتواضعين بإمكانات متواضعة لا تكفي في ظل تقديرات تشير إلى تجاوز عدد اللاجئين السوريين المليونين، لكنه يشير إلى أن «ردود الفعل الأولية كانت إيجابية وبعض أصحاب المحال في طرابلس قاموا بتعليق ملصقات الحملة على واجهات المحلات، فيما تلقينا اتصالات تشكرنا على هذه المبادرة».

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا

مدارس تطوعية للسوريين في بيروت تنافس أزقة المخيمات الفلسطينية

بيروت – ملاذ الزعبي
الإثنين ١٢ أغسطس ٢٠١٣
صحيفة “الحياة” اللندنية

قبالة حائط في ساحة مدرسة في حي شعبي في العاصمة اللبنانية بيروت، يقف عشرات الأطفال السوريين ممسكين بأيديهم النحيلة أقلاماً ملونة، وفيما ينهمك كل منهم بإنهاء لوحته الخاصة المعلقة على الجدار، يبدو المشهد أشبه بمعرض فني في الهواء الطلق.

ينضوي هؤلاء الأطفال في «برنامج تعليم اللاجئين السوريين» التابع لمنظمة «جسور» والذي انطلق هذا الصيف، لينضم إلى برامج أخرى مشابهة وإلى مبادرات فردية تسعى إلى توفير الحد الأدنى من الحاجات التعليمية لآلاف الأطفال من اللاجئين السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء الفلسطيني ببيروت.

وحال العديد من الأسباب دون التحاق القسم الأكبر من الأطفال السوريين اللاجئين بمدارس لبنانية، لعدم قدرة الأخيرة على استيعاب الأعداد الضخمة من الوافدين، وانقطاع قسم لا بأس به من الأطفال عن مقاعد الدراسة خلال العامين الأخيرين، وعدم حيازة قسم آخر على أوراقه الثبوتية والمدرسية، والفارق الكبير بين المنهاجين الدراسيين في البلدين، وبخاصة مع اعتماد المدارس اللبنانية على اللغات الأجنبية للتعليم، وهو أمر أدى إلى عزوف العديد من السوريين عن المدارس.

ويستفيد من برنامج «جسور» نحو 85 تلميذاً يقطنون في مخيمي «الداعوق» و»سعيد الغواش»، تتلقى الفئة السنية الأصغر ممن لم يسبق لهم التسجيل في مدرسة في سورية مبادئ القراءة والكتابة، في حين يتم تعليم الإنكليزية للتلاميذ السابقين بهدف إعادة دمجهم في المدارس اللبنانية ومواصلة تعليمهم النظامي، بينما يتم تعليم الإنكليزية والرياضيات والحاسوب للأطفال من سن العاشرة إلى الرابعة عشرة.

ويوضح مدير البرنامج هاني جسري لـ»الحياة» أن المنظمة تعمل كي يبلغ العدد الإجمالي للمستفيدين 150 طفلاً، مشيراً إلى سعيها لتطوير البرنامج من أجل توفير الفرصة لليافعين من 15 إلى 18 عاماً لتعلم الإنكليزية ومهارات حياتية أخرى، بالاضافة الى توفير تدريب على مبادئ الإدارة ومجال الأعمال لمن تجاوز الثامنة عشرة، «لمساعدتهم على الانطلاق بمشاريعهم الخاصة أو من أجل دخول سوق العمل».

ويقر جسري ببعض النواقص في هذا النوع من البرامج وفي عدم قدرتها على تزويد التلامذة بالتعليم اللائق، ويشير إلى أن «الهدف الأساسي هو مساعدة الأطفال السوريين على الدخول إلى المدارس اللبنانية، على أن يكمل في البرنامج من لا يستطيع الالتحاق بمدرسة لبنانية للحصول على نوع من التعليم غير الرسمي». ويضيف مدير البرنامج أن المنظمة ستستمر في مواكبة الملتحقين بالمدارس عبر «برامج بعد انتهاء دوامهم المدرسي سواء في ما يتعلق باللغة أم الواجبات المدرسية وغيرها من التفاصيل».

ويعتمد البرنامج على ثلاثين مدرساً ومشرفاً جلهم من المتطوعين السوريين، بعضهم دائم وبعضهم موقت، وينتمون إلى فئات عمرية وخلفيات دراسية متنوعة. فسارة مثلاً طالبة في السنة الأخيرة من الثانوية، ورشا طبيبة أسنان ودارو صحافية وزينة مهندسة ميكانيك وأحمد خريج حديث في العلوم السياسية، أما ماجد طالب الهندسة المعمارية في الولايات المتحدة ودونا طالبة الاقتصاد في فرنسا، فقد استغلا قضاء عطلتهما الصيفية في لبنان للتطوع في البرنامج، أما بيتر فهو صحافي سويدي مقيم في بيروت قرر تخصيص جزء من وقته لتعليم اللغة الإنكليزية.

الفضاء الذي وفرته مدرسة «عائشة أم المؤمنين» في منطقة قصقص البيروتية لبرنامج منظمة «جسور»، كان ميزة لم تتوافر للمبادرات الأخرى المشابهة، والتي اتخذت من أبنية متواضعة في أزقة مخيم شاتيلا مركزاً لها.

في بناء ضيق داخل المخيم مكون من طابقين، في كل طابق غرفة واحدة لا أكثر، اتخذت منظمة «JRS اليسوعية» مقراً لتنفيذ نشاطات تعليمية وتدريبية لنحو 50 طفلاً سورياً تقيم عائلاتهم في شاتيلا.

وتشمل الدروس اللغتين العربية والإنكليزية والرياضيات، وتنفيذ ورشات رسم ومسرح تفاعلي ونشاطات متعلقة بتعلم الاختلاف وتقبل الآخر والعمل الجماعي واحترام النظافة، على مدى خمسة أيام في الأسبوع. ويقول نادر غانم، وهو مدرس ومتطوع في إدارة المدرسة إن عدداً من المشاكل يقف عقبة أمام المبادرات المشابهة، ومنها «غياب الحيز الذي يعطي أريحية نفسية للطفل، وبيئة المخيم العنيفة»، ويصف التزام التلاميذ بـ»السيئ» لأن «الطابع الجدي للمدرسة غائب فيما الفوضى هي القانون الوحيد في حالة اللجوء».

في زقاق آخر لا يبعد سوى عشرات الأمتار، يقع مركز «بكرة إلنا» التابع لمنظمة «نجدة ناو»، والذي يجتذب نحو 200 طفل بين الرابعة والخامسة عشرة، وهو أيضا يعلّم بعض المواد الأساسية وينظم ورشات في الرسم والمسرح والخط والصلصال وألعاب تعليمية، بالاعتماد على خمسة مشرفين ومشرفات على تنفيذ النشاطات، وأربعة معلمين سوريين ينالون رواتب رمزية.

ويؤكد مدير المركز علي الشيخ حيدر أن «تحسناً ملحوظاً» طرأ على عدد من الطلاب وبالأخص من الناحية النفسية، لكنه كسابقه يعاني من مشاكل مشابهة كانعدام المكان المناسب، إذا لا تكفي صفوفه الأربعة وصالته الضيقة لاستيعاب نشاط الطلاب المفرط أحياناً وحاجتهم للعب.

ويلفت الشيخ حيدر إلى صعوبات أخرى، منها عدم القدرة على تأمين نسخ كافية من كتب المنهاج المدرسي السوري، و»غياب الزخم» لدى المتطوعين السوريين وفقدانهم الحماسة بعد أيام قليلة، والانتقال المفاجئ لبعض العائلات من المخيم ما يعني انقطاع أطفالها عن الحضور. لكن هذا لا يعني عدم تسجيل المركز لقصص نجاح كمشاركة التلاميذ في معرض للرسوم بالتعاون مع «دار المصور» وتنفيذهم لمعرض خاص بالأونيسكو، بالإضافة إلى المشاركة في تقديم عرض مسرحي بعنوان «طلعنا على الضو» ضمن مشروع «أثر الفراشة»، والذي سيجد طريقه لخشبة المسرح مجدداً في ستة عروض في بيروت ومناطق لبنانية متعددة على مدى شهرين.

تتفاوت هذه التجارب في مدى قدرتها على التأثير وتحقيق ما ترمي إليه، وهي في أسوأ الأحوال «أفضل من القعدة في البيت» وفق هاني جسري. أما نادر غانم فيتساءل عن جدوى بقاء «الأطفال في الشوارع حيث لا شيء يفعلونه»، فيما يشير الشيخ حيدرالى أن «الأطفال يقضون ساعات إضافية في المركز حتى بعد انتهاء دوامهم لغياب الساحات في المخيم وهو ما يفضله الأهالي»، هذا بينما لا يحصل آلاف آخرون من الأطفال السوريين في مخيمات بيروت على هذه الفرصة.

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا