أنا آسف أستاذ

 مجلة صور، العدد 28روسيا-تركيا

————-

الحرمان من دروس التربية العسكرية الذي عانينا منه في مدارس الأونروا بالمرحلة الإعدادية لم يكن يعني أن الأجواء العسكرية وشبه العسكرية كانت غائبة عن المدرسة، فأولاً كانت هناك بدلات الفتوة الجميلة الملزمين بارتدائها، وثانياً، وهو الأهم، كان هناك أستاذ لمادة الإحساس المرهف والشاعرية- مادة الرسم يملك ذراعين كمدقي هاون تنتهيان بيدين كمخباطين، وكان هذا الأستاذ- والله أعلم- قد عاهد نفسه ألا يجعلنا نكابد أي مشاعر فقد نتيجة غياب حصص التربية العسكرية عن برنامج دروسنا الأسبوعية.

كان أستاذنا حليق الذقن دائما رغم أنه، أو لأنه، سبق أن قضى بعضاً من سني عمره سجيناً بتهمة الارتباط بحركة الإخوان المسلمين، وكان أستاذنا حصان (حصان هي كنيته وكان لقبه بين التلامذة الهورس وهي Horse الإنجليزية مضافاً إليها ألف ولام التعريف) خلال الفسحة بين درسين يقف على شرفة الطابق الثاني لبناء المدرسة والمطلة على ساحتها ليراقب الطلاب المخالفين، وكان من جملة المخالفات التي تستوجب عقوبة شديدة: الركض في الساحة. إذ لا يعقل أن يقوم أطفال بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من العمر باللعب والركض في الساحة.

المهم كانت الفرصة دائماً ما تنتهي وهناك طابور من التلامذة المنتظرين لعقوبة الأستاذ حصان، وتبدأ العقوبة التي تأخذ شكل محكمة عسكرية يلعب فيها أستاذ الرسم دور القاضي والشاهد والجلّاد في آن معا، تبدأ العقوبة باستفسار من الأستاذ للطالب المجرم حول الكيفية التي خوّلت بها نفسه له مخالفة القانون وبمجرد أن يبدأ الطالب بالتبرير تنهال عليه مجموعة من الخبطات واللبطات من المخباطين المذكورين أعلاه، وكان من المعتاد أن ينتهي تنفيذ الحكم بجملة أشبه بلازمة تخرج كزفرة من صدر أستاذنا حصان: “بدو يبرر بدل ما يقول آنا آسف أستاذ.. والله لو اعتذر لسامحته”.

في يوم ربيعي مشمس، وفي الفترة التي تفصل بين السابع من نيسان حيث ميلاد الحزب العملاق والسابع عشر من نيسان حيث ذكرى جلاء المستعمر الغاشم، قمت ذات مرة بممارسة عادة الركض الإمبريالية في ساحة المدرسة، لينتهي بي المطاف واقفاً على طابور المجرمين في نهاية الفسحة.

وبما أنني خلال المرحلة الإعدادية كنت ما أزال أحتفظ ببعض الذكاء من المتبقي من المرحلة الابتدائية قررت أن أبادر وألقي الكرة في ملعب الأستاذ حصان، فبمجرد أن بدأت جلستي ووجه لي الأستاذ حصان استفساره عن الكيفية التي خولت بها نفسي لي ارتكاب المحظور باغته بصوت طفولي واعتذار لطالما تمناه من الطلاب “آنا آسف أستاذ” فباغتني بخبطات ولبطات فاقت كمّاً ونوعاً عقوبة باقي المذنبين ثم ختم بزفرته المعتادة مع تغيير طفيف في النص: “قال بقول أنا آسف أستاذ”.

One thought on “أنا آسف أستاذ

  1. أستاذ ابراهيم الحصان،،، الله يرحمو،،،
    مات من فترة،، كان استاذ الرسم في مدرسة وكالة الغوث في درعا،، درست فيها من سنة ١٩٩١-١٩٩٤.. ايام والله

Leave a comment