عن عبد الدافش نكاشة ونكاشة.كوم*

 في العاشرة من عمري توفي خالي حسين- أبو علي في حادث سير بالسعودية، كان رحمه الله يملك روحاً ساخرة استثنائية، من أساطيره أنه خلال إحدى سكراته في كازينو بدمشق خلال أوج الدولة الأمنية ثمانينات القرن الماضي، نده لصديق له كان يجلس على طاولة مجاورة “اعطيني القداحة لا ألعن أبو القرداحة”، انتهت السهرة فوراً، فيما خالي وأصدقاؤه مطاردون بشوارع العاصمة.thumb_690x468_4_social_card-10__موقع_اتجاهات

في النصف الثاني من شهر آذار للعام 2011، ومع أيام المظاهرات الأولى، قررت أن اتخذ اسماً مستعاراً لحسابي على موقع فيسبوك، وقع اختياري على اسم “عبد الدافش نكاشة“.

كان فيسبوك يتحول في الحالة السورية رويداً رويداً، وحتى منذ ما قبل اندلاع الثورة، إلى فضاء عام افتراضي بديل من غياب، أو بالأحرى تغييب، الفضاء العام الفعلي. بدأت مع انتحالي اسماً جديداً بنشر تدوينات فيسبوكية (Notes)، بالإضافة طبعاً للمناشير (Posts). تدويناتٌ ومناشير تهزأ من نظام الأسد ومؤيديه وخطابه السياسي والإعلامي، وكانت رغبتي في أن تكون متاحة لكل من هو في هذا الحيز العام البديل الدافع لأن اتخذ اسماً بديلاً، وهو ما فعله كثيرون غيري، كلٌّ لأسبابه.

 كانت إقامتي في دمشق تعزز من قيمة هذا الحيز الأزرق، بالمقارنة مع بلدات ومناطق أخرى، أتاح لها انخراطها الواسع في الثورة، استعادتها لحيزها العام، بما يشمل في بعض الأحيان ولادة وسائل إعلام تقليدية (صحف ومجلات أساساً) خارجة عن سلطة النظام، تطبع وتوزع سراً أو علناً بحسب شدة أو ارتخاء القبضة الأسدية الأمنية على تلك المناطق.

أصابت بعض من التدوينات التي كتبتها رواجاً معقولاً، وكان المؤشر الدائم بالنسبة لي هو عدد المرات التي تتم فيها مشاركة إحدى هذه التدوينات، كما كانت السخرية من شخصيات محسوبة على المعارضة السورية تزيد أحياناً من شعبية تدوينة ما، إذ إنها كانت تثبت في تقديري أن وقوف أحدهم على ضفتـ”نا” لا يعفيه أبداً من المراقبة والمساءلة.. والسخرية.

في كانون الثاني من العام 2013، سألتقي داخل فرع الأمن العسكري، خلال تجربة اعتقال قصيرة للغاية لم تدم أكثر من أربع وعشرين ساعة، بالناشط الإعلامي وعضو مجلس قيادة الثورة محمد الحريري، والذي كان يشارك في مداخلات عبر الفضائيات العربية باسمه الحقيقي. سألته لماذا لم يكن يخفي وجهه على الأقل خلال ظهوره على شاشة الجزيرة وغيرها، فأجابني أنه كان يسعى لأن “تكسر الناس حاجز الخوف“.

 

 كان خالي حسين على خلاف أيديولوجي مع والدي الحاج أبو مناف، فالأخير إسلامي التوجه والأول سكرجي التوجه. احتراماً لعلاقة القربى مع أبي مناف، واحتراماً لفارق السن كذلك، كان خالي يسخر من أصدقاء أبي وليس منه تحديداً، ولذلك أطلق في أوائل التسعينيات لقب “عبد الدافش نكاشة” على صديق أبي مناف المقرب آنذاك، الحاج عبد الوهاب خطاب- أبو محمد.

في فترة لاحقة، تراجع حضور التدوينات الفيسبوكية على جدران الموقع الأزرق، فالنشر أضحى متاحاً في عشرات من المطبوعات الخارجة عن سلطة النظام، هذا عدا عن صحف وملاحق ومواقع إخبارية عربية، لبنانية بشكل أساسي، استقطبت أقلاماً سورية من مختلف الأجيال والاتجاهات.

أخذت قراراً في ربيع العام 2013 بإنشاء مدونة مستوحاة من اسمي الافتراضي البديل، فكانت (نكاشة.كوم). الهدف منها كان أرشفة التدوينات التي نشرتها على فيسبوك خشية فقدانها من جهة، وبعض المقالات التي سبق أن نشرتها وكنت أنشرها في صحف عربية من جهة أخرى. على الرغم من اعتقادي حينها أن الآن ليس الوقت الأنسب للتدوين، فأبواب وسائل الإعلام التقليدي مفتوحة في وجه الكتابة السورية الجديدة منها والقديمة. بينما تزدهر المدونات أكثر كلما كانت وسائل الإعلام التقليدية مغلقة في وجه الآراء المغايرة سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً.

وإلى جانب الأرشفة، واصلت كتابة مقالات ساخرة ونشرها في المدونة كبديل عن التدوين الفيسبوكي السابق، زاد من شعبيتها سوريالية الحالة السورية وأداء بعض المعارضين الكارثي وهيئات المعارضة السياسية المفجعة، وهو ما كان مدخلاً مرة أخرى للنشر مجدداً في صحف سورية خرجت من رحم الثورة.

..

 في أواخر كانون الأول من العام 2012 قضى الحاج عبد الوهاب خطاب في حادثة إعدام ميداني بحي السحاري في مدينة درعا، بعد أن اقتحمت الدورية الأمنية منزله وسطت على ثروته الشخصية التي ادّخرها طيلة حياته.

 ———————————————————————————————————-

*  نُشر هذا النص ضمن كتاب “أما بعد.. شهادات من فنانين وفاعلين ثقافيين مستقلين” الصادر عن مؤسسة “اتجاهات” بالتعاون مع دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع.

One thought on “عن عبد الدافش نكاشة ونكاشة.كوم*

Leave a comment