يارا بدر
30 ديسمبر 2014
بيروت- «القدس العربي»
مع نهاية عام 2014 قرّر المدوّن السوري الساخر ملاذ الزعبي إطلاق قوائمه الخاصة بالحصاد, لكنه هذه المرّة حصاد للمعارضة السورية, التي ساهمت في تشكيل المشهد السوري الحالي, على مأساويته.
حصاد الزعبي المعنون «بورتريه» حصد منذ انطلاقه قبل قرابة الشهرين, ستة معارضين ومعارضات, هم كل من منى غانم نائبة رئيس تيار بناء الدولة السورية الذي يعمل من داخل سوريا, ويرأسه الكاتب والمعارض السياسي لؤي حسين. منذر خدّام الذي يشغل منصب رئيس المكتب الإعلامي في هيئة التنسيق الوطنية في سوريا, يعرفه أغلب السوريين باعتقاله الشهير, حيث أوقف على أحد الحواجز الأمنية مدّة لم تتجاوز الأربع ساعات, لكنها كانت كافية ليكتب عنها خدام.
هيثم المالح 1931, شيخ الحقوقيين السوريين الذي تجاوز الثمانين من العمر, ولا يزال متمسكاً برئاسة الدائرة القانونية في الائتلاف السوري المعارض. وعبد الله الدردري، الذي يشغل حالياً منصب نائب الأمين التنفيذي للجنة للأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا-ESCOA)، بالإضافة إلى كل من الابن الأكبر لوزير الدفاع السوري الأسبق العماد مصطفى طلاس, رجل الأعمال فراس طلاس, وأحمد عاصي الجربا، الذي شغل منصب رئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, والذي ُيفترض أنّه أكبر تكتل سياسي معارض, ومقرّه في تركيا.
بزخم لغوي يكتب الزعبي, لا تكاد تلتقط أنفاسك بين الكلمات الناقدة المتعاقبة. لمن يجهل الشخصيات آنفة الذكر قد تبدو توصيفات الزعبي إنشائية, تقيم مفارقات ساخرة توّلد الابتسامة. لكن الزعبي في واقع الأمر يقرأ موضوعه جيداً قبل أن يكتب عنه. فعن أحمد عاصي الجربا كتب مثلاً: (حبيب لؤي مقداد، عدو لؤي حسين، حفيد كعب بن لؤي، صديق ميشال كيلو السابق، خصم ميشال كيلو الراهن. يتماهى مع صباح عبيد في معظم أدواره ومع بروس ويليس في سلسلة داي هارد. يشكل مع منى غانم ثنائياً رومانسياً من عائلتين متحاربتين كروميو وجولييت، السيسي مثله الأعلى، شريكه الحالي مصطفى الصباغ، مناف طلاس شريك محتمل).
تقاطع الفرداني مع ثقافة عامّة جمعيّة, علامة حاضرة في كتابة الزعبي التعريفيّة بهذا المعارض أو ذاك. المميّز في هذا البناء أنّه يقوم بالاستناد إلى قوام متين, كخطيئة البطل التراجيدي القاتلة. في كل من هذه الشخصيات أو أفعالها, ما يتقاطع مع ذاك الجمعيّ, والزعبي بهذا لا يركب الجمعي على الفرداني كما يفعل الكثيرون, وهو الأكثر سهولة وانتشاراً.
يختتم الزعبي بورتريه الدردري بالقول: (هوى لَعِبَ الأدوار، في النظام له دور، في مستهل الحرب له دور، في المستقبل له دور، إن بقي النظام له دور، إن طار النظام له دور، إن استمرت الحرب له دور، في التقسيم له دور، في بلد موحدة له دور، مع بداية الدمار تفرغ لملف إعادة الإعمار فقلبه الصغير لا يتحمل. يعشق في هاملت تردده ويكره موته المبكر.. ويستغرب لماذا سعى للانتقام من قاتل أبيه).
أفعال الشخصيات هي التي تعرّف بها في بورتريهات الزعبي, وأهواؤها تقود نواياها وترسم أفعالها, وما أكثر أفعالهم وما أسوأ بعضها خلال سنوات ثلاث عجاف إلاّ من القتلى وضحايا الحرب والدمار. فمن تناقضات المالح الحقوقيّة يستعير الزعبي: (القانون بالنسبة له هو القانون.. ودائرة في الائتلاف، قانونه بلا رتوش، يؤكد دائما أن جرائم النظام لا يجب أن تمر من دون عقاب، خطف رزان زيتونة ورفاقها في دوما مر عليه من دون عتاب، لا يستحي أن يقول إنهم خرقوا قانون تقاليده المحافظة), ومن مواقف منذر خدام التي تعكس جملة مواقف هيئة التنسيق لا يكتفي الزعبي من تعداد الإشارات, ومنها: (مجزرة يرتكبها النظام تحتاج عنده إلى تقص وتحقيق وتثبّت غير ممكنين، أسرع من يصدر بيان إدانة فور ورود أنباء عن انتهاك ارتكبته جهات معارضة، البراميل لا تعنيه كثيراً، صواريخ السكود لا تقلقه، لم يسمع بمذبحة الحولة، وحدها السيارات المفخخة تثير جزعه… وليس دائماً).
مثل الكوميديا ديلارتيه, ومثل فن الكاريكاتير, يضخّم الزعبي عيوب شخوصه, ملامحهم البارزة التي صاغها ماضيهم أو حاضرهم, يضخمها إبرازاً وتوكيداً, وتحديداً لهويّات فارقة, وقاتلة بحسب أمين معلوف, وهو بهذا لا يحتاج إلى الكلمات الطنانة, الطويلة, بل يمكنه الاكتفاء بالمحكيّ حتى, لينتج نصّاً قاسياً, وقحاً في بعض الأحيان, لكنه ليس مؤلماً أكثر من مرارة الواقع الذي ساهم كل من أبطال هذه البورتريهات في إقامته, بشكلٍ أو بآخر.
عن فراس طلاس ذي التاريخ الإشكالي يكتب الزعبي : (لديه علاقة خاصة مع ظرف المكان: الدفع من تحت الطاولة، اللعب من وراء الكواليس، تحريك الدمى من خلف الستار، رغم أنه لا يقبل أن يكون على الهامش. عميق، رومانسي، حسّاس، يقدس الحب العذري والعلاقات الإنسانية، حكمته في الحياة: «شوفوا العصفور كيفو مسرور، ما عندو قصور بس عندو حنان». لا يحب الألقاب والرسميات والبروتوكول: مصطفى طلاس هو البابا، القائد الخالد هو عمو حافظ، زوجة القائد الخالد هي طنط أنيسة، باسل الأسد هو الصديق الذي فجعنا مبكراً، بشار الأسد هو الفتى المدلل الذي أراد أن يستولي مع أخواله على كل الكعكة ولم يذكر فضائل الوالد عليه… فلذلك نحن مع ثورة عليه).
لكن هذا الواقع المؤلم يُعاد ترتيبه في كتابة ساخرة, تلعب على سجع اللغة العربية حيناً, وظلال المفردات حيناً آخر, تلعب على تضّاد المفردات ليس لغوياً فحسب, بل ومعرفيّاً, فلا يغدو القول إنشائيّاً, تهجّميّاً, بقدر ما هو مسؤوليّة وفاعليّة, وعلى من يعترض على القول أن ينفي ما ورد فيه أوّلاً.
يقول الزعبي في وصف نائبة رئيس تيار بناء الدولة الدكتورة منى غانم: (عُشبة الربيع العربي، أقحوانة اللا عنف، لوتس السلم الأهلي، عاشقة البربوزالز، بيت مال التيار، أم السوريين، أخت السوريات، حفيدة عشتار، سوسنة الإخاء الوطني، كردية في دير الزور، عربية في كوباني، سنية في كربلاء، شيعية في المدينة المنورة، مسيحية في مكة، جهادية في الفاتيكان، إسماعيلية في القرداحة، حفيدة صالح العلي في سلمية، شيشكلية في السويداء، درزية بين البدو، ملحدة في زمن الرسول، صحابية في الثورة الفرنسية، صفوية في الأستانة، عثمانية في أصفهان).
من جهتها كانت منى غانم من أوائل من بادر إلى تقبّل انتقاد الزعبي اللاذع بإيجابيّة, حيث شاركت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، الصورة التي نشرها ملاذ الزعبي وجمعتهما معاً, وعنونتها بروح مرحة: (تجميد النزاع تمهيدا لتسوية سياسة).