سلالة خطرة: هكذا قدمت بي بي سي عائلة الأسد

من العاصمة البريطانية لندن عام 1993، تنطلق ثلاثية بي بي سي الوثائقية “سلالة خطرة: عائلة الأسد”، لتقدم عبر ثلاث ساعات بُثت على مدى ثلاثة أسابيع، محاولة للإجابة على تساؤل يبدو غربيًا أساسًا: كيف بات طبيب العيون بشار الأسد وزوجته بريطانية المولد، أسماء، على رأس نظام مسؤول عن قتل مئات آلاف السوريين؟

والحال أن هذا السؤال ما برح يتردد في وسائل إعلام غربية مع بدايات الانتفاضة السورية عام 2011 وتتالي الأنباء عن المجازر المستمرة هناك، وكأن الغرب والعالم لم يسبق لهم أن حاولوا الإجابة عن الكيفية التي بات بموجبها الصحافي بينيتو موسوليني على رأس الفاشية الإيطالية مثلًا، أو المحامي صدام حسين أحد أبرز ديكتاتوريي العالم وأكثرهم وحشية، أو كيف يمكن لطبيب جراح كأيمن الظواهري أن يتزعم تنظيم القاعدة.

للإجابة عن التساؤل بخصوص بشار الأسد، أجرى مخرج السلسلة نيك غرين ومعدتها كيت كوين مقابلات مع 25 شخصية، سوريين وأجانب، بما يشمل صحافيين وأكاديميين وأصدقاء لعائلة الأسد ومستشارين سابقين لهم وزملاء عمل ومسؤولين ودبلوماسين ومحللين سياسيين  ومعارضين سوريين ومختصين بعلم النفس.

حمل الجزء الأول من الثلاثية عنوانًا فرعيًا هو “أب وابن”، وقدم موجزًا عن سيرة مؤسس السلالة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، كما قدم لمحة عن شقيق بشار الأكبر، باسل، مستفيدًا من شهادة مدرسه الخاص للغة الإنجليزية جورج ماركيز.

من مجزرة حماة عام 1982، إلى تجهيز باسل الأسد ليخلف والده حافظ رئيسًا لسورية، مروروًا باستكمال بشار الأسد دراساته العليا في لندن، ننتقل لنشاهد مسارًا موازيًا في عاصمة الضباب، حيث الشابة البريطانية من والدين سوريين، أسماء، على وشك أن تلتقي بزوج المستقبل، لقاء ربما كان مدبرًا من والدتها العاملة في السفارة السورية في لندن، بحسب شهادة جارٍ سوري للعائلة.

يمضي الفيلم ليخبرنا في جزئه الأول، وكذلك الثاني (الذي حمل عنوانًا فرعيًا هو: الرئيس غير المرجح)، قصة الوفاة المفاجئة للوريث المفترض باسل الأسد، وبالتالي الرئاسة غير المتوقعة لبشار الأسد، مع إبراز الجانب المافياوي للعائلة الحاكمة، والصراعات والدسائس التي ربما كانت تجري بين أفرادها في الخفاء، بما يشمل نزاعًا بين أسماء الأسد من جهة وشقيقة بشار- بشرى ووالدته أنيسة مخلوف من جهة أخرى.

368

إلا أن الفيلم، وفيما هو يبرز الجانب المافياوي للنظام ويؤكد على تاريخه الدموي، يميل أحيانًا لإظهار بشار الأسد في سنوات رئاسته الأولى في موقع الإصلاحي ذي اليدين المكبلتين، مستعينًا بشهادة للأكاديمي الأميركي وكاتب سيرته ديفيد ليش يشير فيها إلى شكوى بثها له الرئيس السوري مفادها أنه أصدر مئة قانون لم تجد سوى أربعة منها طريقها إلى التطبيق، ولافتًا كذلك إلى مقابلة صحافية أجراها الأسد مع الصحفي السوري إبراهيم حميدي، كانت الأولى من نوعها التي يجريها الرئيس السوري مع صحفي سوري، حيث اقتصرت مقابلات الأسدين الأب والابن عادة على الصحفيين الأجانب.

ومع أن السلسلة لا تألو جهدًا في الإشارة إلى مكامن الخلل النفسي لدى الرئيس الابن والنفعية القصوى لزوجته، إلا أنها تذهب لتشبّه أسماء بـ”أميرة في قصة خيالية” للحديث عن جولة قامت بها الأخيرة عبر البلاد في مطلع الألفية (رغم أن السلسلة نفسها تبرز التناقض الصارخ بين مقالة لمجلة فوغ الألمانية وصفت أسماء الأسد بزهرة الصحراء في مقابل الشارع العربي الذي كان بدأ يشهد مظاهرات صاخبة امتدت من تونس إلى البحرين مع بدايات الانتفاضات العربية، وعلى الرغم كذلك من الإشارة مرات ومرات إلى محاولة الاستفادة من أسماء كواجهة حداثية لنظام ديكتاتوري)، بينما يشير البرلماني البريطاني السابق بروكس نيومارك إلى الأسد على أنه “متحضر جدًا”، وهو الذي التقاه مرات ومرات في زيارات متتالية لسورية.

يتحدث الفيلم عن تغيرات دولية وإقليمية انعكست تغيرات في نهج الرئيس الشاب ومساره “الإصلاحي”، بدءًا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ووصولًا إلى غزو أفغانستان والعراق، وليس انتهاء بالتطورات في لبنان المجاورة، لكن السلسلة تلفت بوضوح إلى دعم الأسد الصريح للجهاديين في العراق أمنيًا ولوجستيًا، وإلى اعتماده المراوغة والكذب والتحايل في علاقاته السياسية، وتلمح بقوة إلى مسؤوليته عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإن كانت تطرح احتمالية وقوف كل من شقيقه ماهر وصهره آصف شوكت خلف العملية.

وقع الفيلم كذلك في فخ الحديث عن “حرس قديم” و”حرس جديد” في سورية خلال العقد الأول من الألفية، وهي مصطلحات دأب على ترويجها إعلاميون وأكاديميون ومؤرخون مقربون من النظام ودائرون في فلكه، لمحاولة إلقاء اللوم فيما يخص بطء دوران عجلة “الإصلاح” على الحرس القديم للنظام، رغم أن “الحرس الجديد” ما كان إلا ليضم حوت الاقتصاد السوري ورمز فساده الأول رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وشقيقه القيادي الأمني حينها حافظ مخلوف، وقيادات أمنية من طراز علي مملوك وعبد الفتاح قدسية ومحمد ديب زيتون وعاطف نجيب وغيرهم من مرتكبي الفظائع المهولة.

الجزء الثالث من السلسة (اختبار للإنسانية) أتى ليقطع أي شك باليقين حول دور بشار الأسد في ما شهدته البلاد من مجازر منذ آذار- مارس عام 2011 ولغاية اليوم. يخصص الجزء الأخير بعضًا من وقته لحادثة مقتل الطفل حمزة الخطيب والتمثيل بجثته، مقدمًا شهادة مرعبة للسياسي اللبناني وليد جنبلاط. وبينما يُطرح تساؤل عن مدى سيطرة الأسد على الأجهزة الأمنية فإن الإجابة سرعان ما تأتي عبر شهادة لموظف مخابرات منشق، مشفعة بوثائق تؤكد معرفة الرئيس السوري بأدق تفاصيل ما يجري في البلاد ومسؤوليته المباشرة عما يُتخذ من قرارات أمنية وعسكرية.

يعثر بشار الأسد في نهاية السلسلة الوثائقية على منقذه فلاديمير بوتين، الذي تدخل عسكريًا في سورية بعد أن بات النظام السوري يسيطر على نحو عشرين بالمئة أو أقل من مساحة البلاد، فيما كان تنظيم “الدولة الإسلامية”- داعش على بعد نحو ثلاثة أميال فقط من قلب دمشق، واقتصار إشارة الفيلم إلى “داعش” دون فصائل المعارضة السورية الأخرى زلة أخرى في سلسلة بالكاد أشارت إلى المجتمع السوري، ولم تجهد نفسها لتتحدث كيف أثرت سياسات بشار الأسد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيه، وكيف كان لهذه السياسات بالغ الأثر في انتفاض السوريين ضده عام 2011.

————

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال، اضغط هنا

Leave a comment