مبادرة مرحبتين: سوريون على مائدة التطوّع

يتقاطر الضيوف على منزل في منطقة بريكستون جنوبيّ لندن مساء نهاية الأسبوع، ليبلغ عدد الزوار نحو أربعين يتوزعون على عدة طاولات طعام تحتضنها غرف البناء السكني، وكذلك حديقته الخلفية إن كان الطقس مواتيًا، لكن لا علاقة شخصية تجمع بين الزوار ومضيفيهم، فالأخيرون إنما هم متطوعون ضمن مبادرة “مرحبتين” الهادفة لجمع التبرعات لحالات إنسانية وتنظيم عشاءات سوريّة والتعريف بالثقافة السوريّة.

DSC_0588.JPG

في تموز- يوليو من العام 2016، ارتأت مجموعة من اللندنيين، سواء من المقيمين في المدينة أو السوريين اللاجئين إلى المملكة المتحدة، تنظيم “عشاءات ذات طابع بيتي وحميم” على حد وصف منى كيخيا (37 عامًا)، وإحدى المتطوعات في المبادرة، وذلك بهدف “فعل شيء ما.. لمساعدة الملايين الذين يعانون في سورية وجوارها”، وفق إيدي توماس (53 عامًا)، وهو متطوع آخر في “مرحبتين”.

كافة المتطوعين في المبادرة تربطهم علاقة ما بسورية، منهم من سبق أن عمل في مجالات  تنموية أو حقوقية متعلقة بالشأن السوري، كتوماس وشريكته كايرون، الذين يقدمان منزلهما كمكان لاحتضان فعالية العشاء غير المنتظمة، ومنهم سوريون لجؤوا إلى بريطانيا بعد عام 2011.

تشرح سوسن أبو زين الدين (31 عامًا)، وهي ناشطة سورية مقيمة في لندن، لـ”العربي الجديد” الظروف التي انبثقت منها “مرحبتين”، فمن جهة “كنّا نبحث عن طريقة لإيصال مساعدات لحالات طارئة في سورية وجوارها متجاوزين العوائق البيروقراطية”، ومن جهة أخرى “رغبنا بتنظيم فعالية تسمح باختلاط أفراد من المجتمع اللندني بالسوريين والتعرف منهم على قضيتهم” بعيدًا عما قد تتناوله أو تتجاهله وسائل الإعلام السائدة.

تضيف أبو زين الدين أن “التعريف بالثقافة السورية” كان أحد أهداف الانطلاق بالمبادرة، مشيرة إلى أن ذلك تضمن عزفًا لموسيقى عربية أو سورية أدته في أغلب الأحيان عازفة القانون السورية سنا وهبه أو ورشات مرحة لتعليم الدبكة، فيما هي تواصل إعداد طبق الفريكة بعد أن تم تكييف جزء منه ليصبح نباتيًا بإضافة اليقطين بدلًا من اللحم أو الدجاج.

DSC_0576.JPG

يلفت توماس إلى عامل آخر ساهم في انطلاق “مرحبتين”، فما عرف بـ”أزمة اللاجئين” التي بلغت بعض ذراها عام 2015، تصاعدت في العام التالي مع استمرار تدفق الهاربين من القمع والحرب والكوارث الإنسانية في سورية وغيرها، لذلك نشأ “جو عدائي” تجاه اللاجئين في بعض الأوساط الإعلامية والمجتمعية، لذا “أردنا مواجهة هذه العدائية” عبر نشاط ذي طابع اجتماعي وبيتي وتسليط الضوء “على الضيافة السورية”.

إلا أن للزوار من اللندنيين غاياتهم الخاصة من ارتياد عشاءات “مرحبتين”، فعلى طاولة هنا ثمة مجموعة من زملاء العمل الذين فضّلوا قضاء أمسية نهاية الأسبوع سوية بعيدًا عن صخب مطاعم المدينة وحاناتها، وعلى طاولة هناك باحثة شابة في جامعة كينغز كوليج تدرس العلاقات الدولية وتكتب بحثًا عن سورية، ووجدت في العشاء فرصة للاحتكاك بسوريين قد يساعدونها في رؤية بعض جوانب البحث من زوايا مغايرة.

 وعلى طاولة ثالثة، تجلس كاثرين وستيوارت للاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لعلاقتهما، “شاهدت الإعلان عن هذه الفعالية على موقع متخصص وقررت أن أجهز مفاجأة لستيورات”، توضح السيدة الأربعينية وتردف أن “التعلم عن ثقافة مختلفة أمر مثير للاهتمام.. خاصة إن كان ذلك عبر الاتصال المباشر مع الناس بعيدًا عن الأخبار”. يجلس بشار فرحات، وهو طبيب ومعتقل سابق في سجون النظام السوري، إلى إحدى الطاولات، ليتبادل حديثًا يتقلب بين المرح والجد مع بعض الضيوف، بينما يأخد متطوعون آخرون بتقديم أطباق المقبلات، وجميعها من صناعة كيخيا وأبو زين الدين وأفراد آخرين من فريق “مرحبتين”.

يدفع الشخص الواحد مقابل العشاء مبلغ 35 جنيهًا إسترلينيًا، وهو رقم يتساوى مع ما قد يدفعه اللندني لتناول عشائه في مطعم معتدل الأسعار، لكن عشاء “مرحبتين” قد يبدو أرخص ثمنًا بالنظر إلى تعدد الأطباق وحجمها، فإلى جانب كوكتيل ومقبلات خفيفة للترحيب بالضيوف، تتضمن الوجبات أربع أو خمس أنواع من المقبلات وطبقًا رئيسيًا بنسختين، واحدة نباتية وأخرى لآكلي اللحوم، وحلويّات سوريّة معدة منزليًّا وقهوة عربية.

وتعددت الجهات الأهلية والمدنية والإنسانية التي ذهب إليها ريع العشاءات مع تعدد إقامتها، بما يشمل مزرعة صغيرة في حلب خلال حصار المدينة ومطبخًا خلال فترة تهجير سكانها، وأهالي معتقلين كانوا بحاجة لتغطية بعض التكاليف القانونية، وطفلًا بمخيمات لبنان احتاج سماعات طبية كي يذهب إلى المدرسة، وطفلًا آخر بحاجة لعملية في مخيمات الأردن، وأجور خيم للاجئين مهددين بالطرد في لبنان أيضًا، وعائلة كانت تعتاش على محل صغير دُمر خلال قصف في الشمال السوري وأصيب رب الأسرة بالعجز الدائم فتلقت العائلة الدعم لإعادة فتح محلها، وحالات أخرى.

تحولت المبادرة مؤخرًا إلى منظمة مرخصة في بريطانيا، وأنجرت كتاب طبخ مصوّر باللغة الإنجليزية لم ينشر بعد، وُثقت من خلاله الوصفات التي تم تقديمها خلال العشاءات مع ربطها بذاكرة السوريين والمناطق التي انحدروا منها، كما باتت جزءًا من مجموعة “ذا ويلكوم كوميتي” التي تسعى إلى “كفالة اللاجئين المجتمعية”.

——————–

نشرت هذه المقالة أولًا في صحيفة العربي الجديد، للاطلاع على النسخة الأصلية، اضغط هنا

Leave a comment