عن نظرة ديمقراطيين للإسلام السياسي في سوريا

041115_1636_3القدس العربي/ 16/1/2016

———

شكلت مجزرة حماة في شباط من العام 1982 تتويجاً وختاماً دموياً لمعركة دامت سنوات شنها النظام السوري على حركة الإخوان المسلمين في البلاد.

كانت المعركة معركة استئصال لا حرب إخضاع، كما دلت على ذلك أيضاً أحداث ومناسبات سابقة على مجزرة حماة، منها مجازر سجن تدمر وجسر الشــــغور وحي المشارقة الحلبي (1980)، والقانون رقم 49 القــــاضي بتجريم وإعدام كل منتسب للإخوان، بل إن الحركة وجدت لنفسها طريقــــاً إلى هتــــاف أُجبر طلاب المدارس السوريين على ترديده كل صباح ويقضي بسحق «عصابة الإخوان العميلة».

نجح النظام إلى حد كبير في معركته الاستئصالية تلك مشدداً قبضته على المجال العام بالتوازي مع إفراغ الأخير الممنهج من كل صوت مغاير وقمع كافة التيارات والحركات والأصوات الأخرى، ديمقراطيةً أو يساريةً أو مستقلةً كانت.

لكن عنف النظام تجاه الإخوان بقي الأشد، ذلك إنه إن كان يُمنع على شيوعيين معارضين على سبيل المثال، الانتظام في حركات علنية أو تنظيم تجمعات علنية أو ممارسة نشاط في الشأن العام، وملاحقتهم أمنياً وسجنهم وتعذيبهم إن اقتضى الأمر، فإن هذا الاضطهاد لم يصل حد سن قانون يقضي بالإعدام على مجرد الانتساب إلى الأحزاب الشيوعية المعارضة، وبقي بطش النظام بحق أعضاء المعارضة العلمانية أقل هولاً من بطشه بحق أنصار الإسلام السياسي، بنسخته الإخوانية أو السلفية التي شهدت صعوداً بطيئاً وتدريجياً في سوريا العقود الثلاثة الأخيرة إلى ما قبل اندلاع الثورة.

أضحى غياب اليمين الديني عن المشهد السوري ما قبل الثورة وكأنه من طبيعة الأشياء، وكأن ليس لليمين الديني من وجود، بل إن سوريا كانت الوحيدة من بين الدول المحيطة بها التي لا تعرف حركات إسلام سياسي، بما في ذلك لبنان المحكوم من أجهزة المخابرات السورية وإسرائيل التي عرف عربها حركات من هذا النوع. وكان دالّاً أن يشن النظام السوري حملة اعتقالات في العام 2005 شملت معارضين سوريين علمانيين أعضاء في منتدى الأتاسي على خلفية تلاوة رسالة من المراقب العام لجماعة الإخوان في سوريا علي صدر الدين البيانوني (المقيم في الخارج طبعاً) في ندوة أقامها المنتدى. 

بعيد اندلاع الثورة السورية، كان واضحاً أن ثمة من المعارضين المحسوبين على حركات ديمقراطية من لا يريد لهذه الحالة الشاذة أن تنتهي. وبدا التغيير الذي ينشده هؤلاء لا يشمل إعادة كافة الأمور إلى نصابها بما في ذلك التواجد الطبيعي لحركات الإسلام السياسي في المجال العام (ضمن شروط التعددية وتداول السلطة وحكم القانون والعمل السياسي السلمي بكل تأكيد). 

كان بعض هؤلاء ينطلقون من منطق طائفي مضمر حيناً وعلني حيناً آخر، وكان آخرون ينطلقون من نظرة قاصرة لا تذكر إلا بمشهد حركات علمانية وديمقراطية في مصر ما بعد 30 حزيران/يونيو 2013، فخلال وبعيد مزيج الانتفاضة الشعبية والانقلاب العسكري، بدأت أصوات مصرية يسارية وقومية وليبرالية تنادي لا بالدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة وضمان الحريات الشخصية والسياسية وتعديل الدستور ووقف مشروع أخونة الدولة وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعاني منها مصر، كما كان يفترض بها، بل صدحت هذه الأصوات عالياً في الدعوة لسحق الإخوان المسلمين والحركات السلفية وإنزال عقاب جماعي بأنصارها وأعضائها. مهد هذا الخطاب بقوة لمجزرة ميدان «رابعة» وغيرها من الانتهاكات المستمرة بحق الإخوان، مغلقة الأفق المصري وممهدة لدورة من العنف المضاد سيأتي يومها إن آجلاً أو عاجلاً.

لا يمكن لأي مجال عام في دول المنطقة أن يستقيم في ظل إقصاء قوى اليمين الديني عن العمل السياسي السلمي، وإن كان المناضلون الديمقراطيون ديمقراطيين بحق، فعليهم أن يكونوا في طليعة المدافعين عن حق قوى الإسلام السياسي في المشاركة السياسية. مع إعادة الإشارة إلى أن هذا يجب أن يكون في إطار احترام القوانين ومشاركة مختلف القوى والأحزاب بعيداً عن الإقصاء والإقصاء المضاد، وقبل كل شيء، في إطار إقرار الإسلاميين بمبادئ اللعبة الديمقراطية وتقديم ضمانات بعدم المساس بالحريات الشخصية والسياسية.

——–

للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا

Leave a comment