نخب كيماوية

 كيماوي-630x350

قال الروائيُّ العارفُ، في تحذيره الرافض لضربة أميركية تستهدف مواقع عسكرية لنظام الأسد، إنه يعرف الأميركيين، يعرفهم جيداً. ثم توجه في عطلة طويلة إلى ماساتشوستس، ليقضي أسابيع منحة كتابية منحته إياها جهة أميركية تعرفه، تعرفه جيداً.

أما “السياسية” الهاوية فطالبت بالاحتراز من ضربة عسكرية للنظام، مطالبة بتوجيه ضربة سياسية عوضاً عنها، ولك أن تقهقه أيها القارئ على المصطلح السابق على الرغم من أن الموضوع لا يتحمل ابتسامة قصيرة فالتة. ثم اكتشفت “السياسية” ذاتها بعد أشهر ليست بالكثيرة أن السياسة ليست ملعبها، مفضلة أن تلعب في مجال المجتمع المدني المحايد بين مطلق الغازات الكيماوية ومستنشقها.

السياسيُّ، زميل “السياسية” السابقة- المدنية الحالية، لم يكترث حينها لمصير الحثالات من القتلى، ولم ينس أن يشدد في إطلالات إعلامية واجتماعات سياسية أن لا أحد يعرف على وجه الدقة والتأكيد من هو مرتكب هذا الفعل المشين. وجه نظر شاركته إياها زميلته “السياسية” السابقة- المدنية الحالية.

لكن سياسياً آخر كان يعرف على وجه الدقة والتأكيد هوية مرتكب هذا الفعل المشين، ذاك أنه وبينما كان مشغولاً بزراعة الملوخية الخضراء، على أمل أن يعم أخضر السلام أجواء البلاد ويطغى على أحمر الدم، وصلته معلومات تقنية مؤكدة من حكومة، ما زال صاحبنا يظن أن بريجينيف هو من يترأسها، أن أصحاب اللحى هم من فعل تلك الفعلة.

وخلص مركز بحثي رصين، ما كان له أن يرى النور لولا تضحيات القتلى في غوطات البلد المنتشرة من شمالها إلى جنوبها، إلى أن إسرائيل ستكون المستفيدة الأولى من أي ضربة عسكرية توجه إلى صواريخ الأسد وأفرعه الأمنية.

ورأى متحولون إلى فئة “المعارضة الوطنية” أن الأمريكيين يريدون أن يحطموا جيش”نا”، والـ”نا” الأخيرة قد تدل على الفاعلين، أو على الملكية، أو هي ضمير متصل مبني على السكون في محل تبرير النذالة. ولم يحصل ما خشيه هؤلاء، إذ لم تُخدش الترسانة الصاروخية والبرميلية، وهبطت بسلام على رؤوس أعداء جيش”هم” في حلب وإدلب ودير الزور ودرعا وحمص وفي الغوطة نفسها مرات أخرى.

أما القائد العسكري فأطال لحيته قليلاً، ثم شذبها بعناية، وقرر خطف من كان يعمل على توثيق جرائم مستخدم السلاح الكيماوي. فيما قرر فصيلٌ آخر في الشمال، وانتقاماً لضحايا المجزرة الرهيبة، أن يشن حملة لا تعرف مساومة على فصيل آخر، سالباً إياه سلاحه الكافر وقاتلاً مسلّحَه المؤمن.

الشيخ الأموي، صلّى صلاة الغائب على القتلى وحده، رافضاً صلاة الجماعة، ثم حمد الله القوي العزيز أن الرياح لم تحمل أيّاً من الآثار الكيماوية إلى عرائش الياسمين.

واحتفل أخوة في الوطن بصفاقة الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل تارة، والمعارضة تارة أخرى، في دليل على أن بعضاً من المدنيين لديهم المكنة على قبول الآخر العدو وأفعاله. مدنيون نازيون أضحوا في نظر البعض أكثر جدارة بالتضامن من مغلوب على أمره تظاهر سلمياً ثم حمل سلاحاً ليذود عن نفسه في وجه الغزاة.

المثقف الكردي ذاك، والذي فقد بعضاً من أحبة في حلبجة، ساءه أن يفقد أحبته احتكارهم لدور الضحية، فلم يعرب حتى عن ضحل تعاطف مع الضحايا الجدد. مفضلاً تواطؤ بعض ساسته مع قتلته السابقين.

الأكثر كيماوية ممّا سبق، أن أياً من المذكورين أعلاه، لا يشعر اليوم ولو بقليل من خجل.

Leave a comment