من مذكرات فتى

101030_2009_09_08_13_46_24 مجلة صور، العدد 23

————————-

  • شهور الصيف قاربت على الانتهاء، المشرفون علينا في معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكائن في حي “المطار” بمدينة درعا قرروا إجراء مسابقة ختامية لحفظ القرآن، وأعلنوا فترة أسبوعين ستكون فيها دروسنا اليومية عبارة عن مراجعة لما حفظنا تحضيراً لليوم العظيم. كان الخبر سارّا بالنسبة لي، فعدم حفظ المزيد من آيات الذكر الحكيم يعني القدرة على المراوغة أمام الوالد في المنزل. أسبوعان كاملان كان الوالد يعتقد خلالهما أنني أثابر على درسي الديني اليومي، فيما كنت أقضيهما في باحة قريبة من المسجد ألعب الفطبول مطبقاً مقولة السيد الرئيس “إني أرى في الرياضة حياة”. كان أساتذة المعهد يرونني من بعد أركل الكرة وأصرخ وأجري غير عابئ بشيء ويحوقلون أسفاً على ضلالي المؤقت. جاء موعد المسابقة، كنت ضمن المشاركين في فئة حفظة جزأين من القرآن الكريم- جزأي عمّ وتبارك. تربعت بخشوع مقابل الأستاذ المشرف الذي اختار لي أصعب سورة في جزء “تبارك” لأتلوها عليه غيباً وهي سورة “الجن”. بدأت التلاوة: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن…

كان المشرف ممتعضاً من ترتيلي الجيد واستذكاري الممتاز، حاول الرد بأن طلب مني أن أكمل من منتصف السورة الأصعب في جزء عمّ- سورة “المطففين”، واستأنفت من حيث توقف: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.. كان الأخ المشرف يداعب لحيته بامتعاض وهو يستمع إلي أكر أمامه الآيات كشريط تسجيل. بعد أيام تم إعلان النتائج: ملاذ الزعبي في المركز الثاني لفئة جزأي عمّ وتبارك رغم عدم ارتكابه أي خطأ ولكن تم إنزاله مرتبه لعدم حضوره والتزامه في الأسبوعين الأخيرين.

  Continue reading

ماذا لو

hqdefault جريدة عنب بلدي، العدد 189

—————————

ماذا لو كان مفتي السعودية هو من وصف عمليات عسكرية تقوم بها بلاده في بلد ذي أغلبية مسيحية بأنها “حرب مقدسة” بدلاً من استخدام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لهذا الوصف بخصوص غارات بوتين في سوريا؟

……

ماذا لو كان جون كيري هو من قال إن بلاده ترغب في أن ترى “السنّة” يحكمون البلاد بدلاً من تصريح سيرغي لافروف الذي قال فيه إن موسكو لا تريد أن ترى “نظاماً سنّياً” في سوريا؟

…..

ماذا لو أن الطيران الخليجي هو الذي كان يفرك أذن النظام بين فينة وأخرى بدلاً من الطيران الإسرائيلي الذي يوجه رسائله الصاروخية للممانعة كلما شعر بالضيق أو الملل؟

…..

ماذا لو أن الإخوان المسلمين ارتكبوا مذبحة بحق معتصمين في ساحة ما مؤيدين لحكم العسكر أو لأي من أنظمة “الاستقرار” التي تفضلها الطبقات الوسطى والبرجوازية السائدة؟

……..

ماذا لو كانت قوات المعارضة هي من استخدم سلاحاً كيماوياً في الغوطتين؟ هل كانت ريم تركماني ستبدي شكوكاً بهوية الجهة المنفذة في إطلالتها الإعلامية ولقاءاتها السياسية؟

……

ماذا لو كان المقاتلون الأجانب إلى جانب الجمهوريين الإسبان ضد فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية من الإسلاميين؟

…….

ماذا لو كان النظام هو من أعدم خالد الأسعد في تدمر؟

……

ماذا لو كان جبران باسيل مسلماً واللاجئون السوريون إلى لبنان في أغلبيتهم الغالبة من المسيحيين؟

……

ماذا لو انتظر الإخوان حتى سقوط النظام ليحاولوا التهام الكعكة السورية؟

…..

ماذا لو حمل زهران علوش هم سوريا وزيادة وترك الأمة لأنها كبيرة عليه بعض الشيء؟

……

ماذا لو اكتشف الساعون للمس الإنسان داخل الشبيح أن لا إنسان داخل الشبيح؟

……

ماذا لو قدّم كل من هيثم المالح وحسن عبد العظيم استقالتيهما وجلسا على جنب فاسحين المجال لمن هم أصغر سنّاً؟

…….

ماذا لو كان التسجيل الصوتي المسرب “أنا ما بدي هي السورة” بصوت حكم البابا؟

……

ماذا لو لم يضع رياض درار لايك على بوست لم يعجب هيثم مناع؟

…..

ماذا لو كانت تركيا هي من تحتل البلد بدلاً من إيران؟

……

ماذا لو يوم هجرتك وأتيت في اليوم التالي وأخبرتني أنني وحشتك؟ ماذا لو عاتبتك وعاتبتني وسامحتني وسامحت نفسك؟

كلاكيت: نحن والسعودية وإيران

السعودية1

عنب بلدي، العدد 168

لنفترض على سبيل الجدل، أو على سبيل الحلم ربما، أن نظاماً ديمقراطياً حلّ محل النظام الحالي في سوريا، أي أن حكومة تمثل السوريين بمختلف انتماءاتهم تشكلت، سيقودنا هذا الفرض حكماً للقول إن هذه الحكومة عليها أن تعمل وفق مصالح السوريين كل السوريين سواء في سياساتها الداخلية أو تلك الخارجية، وإن كان من البديهي (لا يبدو هذا بديهياً إلى تلك الدرجة للأسف في سوريتنا) أن أبرز ما يجب على سياسات هذه الحكومة أن تعكسه داخلياً بشكل رئيسي يتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية والسعي لرفاه المواطنين وتطبيق القانون وضمان الحريات وغيرها، فإن السياسات الخارجية لا يبدو أن ثمة بديهي بشأنها حتى الآن، بل على العكس، ثمة انقسام واضح بخصوص العلاقات الخارجية لسوريا، وخاصة على المستوى الإقليمي، وتحديداً النظرة تجاه إيران والسعودية، وهو ما تحاول هذه المقالة أن تقول شيئاً بشأنه.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أمرين: الأول هو أن هناك حالة من شبه إجماع متحققة حول طبيعة العلاقات مع إسرائيل، وخاصة في ظل استمرار احتلال الأخيرة لمرتفعات الجولان وإعاقتها لحل عادل للقضية الفلسطينية بما يشمل إقامة دولة فلسطينية ومسألة اللاجئين والقدس. الثاني هو الإشارة إلى أنه لن يكون من مصلحة سوريا بكل تأكيد استعداء أي جهة إقليمية وتوتير العلاقات معها (في حال لم تبادر هذه الجهة إلى ما يدفع لذلك)، كما أنه لن يكون من مصلحة البلاد أن تكون ورقة في محور تتزعمه قوة إقليمية في مواجهة قوة إقليمية أخرى.

وبعد كل هذا التقديم وكل هذه الإشارات، سأقول هنا إنه من الطبيعي أن تملك سوريا الديمقراطية علاقات أوثق مع السعودية من علاقاتها مع إيران وذلك لأسباب عدة، بعيداً عن أي أيدولوجيا دينية أو طائفية أو طبعاً عن علمانية مذهبية، هذه بعضها:

الأول، الأكثر راهنية، يتعلق بالمشروع الإمبراطوري لإيران الراهنة وسعيها للهيمنة على أكثر من دولة في المنطقة، وسوريا منها. على النقيض من ذلك، ليست السعودية خالية من مثل هكذا مشروع وحسب، بل تبدو أضعف من أن تمتلكه أساساً لأسباب سياسية وبشرية وعسكرية.

ثانياً: يعيش في السعودية عشرات الآلاف من السوريين، معظمهم يعملون هناك، عمالاً وسائقين وتجاراً وأطباء ومهندسين وأستاذة جامعات وغير ذلك، هؤلاء كانوا وسيكونون مصدر من مصادر إيرادات الدولة السورية، كما أن الدفاع عن مصالحهم ومتابعة شؤونهم يتطلب علاقات وثيقة مع الرياض، في حين ليس ثمة جالية سورية كبيرة في إيران. Continue reading

العقدة السعودية

 عنب بلدي، العدد 162

————————-

حتى يرضى بعض من الثقافويين، على السوري المقصوف أن يكون ضد إيران والسعودية في الوقت نفسه وبالقدر نفسه، على التكة. وعلى ذاك الذي تهجر من القصير أو يبرود بعد احتلال حزب الله للمنطقتين أن يعلن بكل وضوح أنه لا مع 8 آذار ولا مع 14 آذار، وعلى الفلسطيني أن يكون ضد إسرائيل والسعودية في الوقت نفسه. وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، ربما لم يكن جائزاً الانحياز إلى الكويتيين دون تسجيل موقف مبدأي يدين السعودية، هكذا بلا سبب. وكان على الفيتنامي يوماً أن يكون ضد الولايات المتحدة والسعودية في الوقت نفسه إذ لا يجوز أن تعادي واشنطن دون أن تعادي الرياض، وربما كان على البولندي في الحرب العالمية الثانية أن يكون ضد ألمانيا والسعودية في الوقت نفسه، وإلا فإن نضاله ضد النازية هو نضال غير متسق ويرفع عدداً من إشارات الاستفهام. وكان المناضلون الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي يقاتلون المستعمر من جهة وعينهم على السعودية من جهة ثانية.

دعك من التواجد العسكري المباشر و”المحافظة الإيرانية 35″ والمشروع الإمبراطوري الإيراني والتصريح بأن بغداد عاصمة للإمبراطورية وقاسم سليماني الذي يدير المعارك هنا وهناك وغيره من الجنرالات الموزعين على الجبهات، دعك من تحريك حزب الله لاحتلال مناطق سورية ثائرة وتوريد ميليشيات طائفية تأتمر مباشرة من طهران، دعك من إشعال نزاع شيعي سني لا يعلم إلا الله متى قد ينتهي وبأي كلفة، هذه مجرد تفاصيل، المهم أن تثبت فينيقيتك أو مشرقيتك أو آشوريتك أو بابليتك أو فرعونيتك وتفوقك الحضاري التاريخي على “عربان” الخليج. Continue reading