خمسة مكاسب حققها الفلسطينيون في التصعيد الأخير

بتقديري الشخصي، حقق الفلسطينيون والقضية الفلسطينية خمسة مكاسب رئيسية خلال التصعيد الأخير والمستمر، بعيدا عن خطابات الانتصار الشعبوية المعتادة من حرب ٢٠٠٦ لحروب غزة الثلاثة بين ٢٠٠٨ و٢٠١٤

المكسب الأول متعلق بهبة مناطق الداخل الفلسطيني، فاللد والرملة ويافا وحيفا وكفر كنا وغيرها ما كانت على خارطة الاحتجاجات الفلسطينية بهذا الشكل أبدا، ولا حتى خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، تفاجأت إسرائيل الرسمية والشعبية بهذه التطورات وارتبكت بسببها أكثر من ارتباكها بسبب التصعيد بغزة (بشكل أولي على الأقل)، بالإضافة إلى الزخم الشعبي المهم وتطويرها لأساليب المقاومة السلمية والثقافية، هذه الهبة أزاحت مقولة منتشرة مفادها أن فلسطينيي 48 يفضلون إسرائيل على دولة فلسطينية، وكان مذهلا فيديو لمراسل سي إن إن في إحدى مناطق الـ48 يظهر فيه فلسطينيون شبان يهللون لصواريخ قادمة من غزة باتجاه مناطقهم. مات الكبار ولم ينس الصغار كما كانت تل أبيب تعتقد أنه سيحصل

المكسب الثاني، متصل بالأول، ظهر الفلسطينيون على المستوى الشعبي، متوحدين مرة أخرى، تضامنوا جميعا مع الشيخ جراح ثم مع القدس عموما وصولا لغزة، وشملت التطورات كل فلسطين التاريخية، غزة والضفة والقدس والخط الأخضر، هذا عدا عن حضور الشتات الفلسطيني سواء في دول الجوار أو حول العالم، وبوسائل احتجاج متفاوتة، امتدت من المظاهرات والاعتصامات، مرورا بالإضراب العام، والفعاليات الثقافية والإعلامية، ومن ثم المواجهات مع حواجز القوات الإسرائيلية، وصولا إلى المواجهات العسكرية، وظهرت معه فلسطين أخرى بعيدة عن الزجل والشعر، فلسطين بمطالب سياسية وثقافية وقانونية-حقوقية وحتى اقتصادية

المكسب الثالث إعلامي، ومتعلق تحديدا بالخطاب حول فلسطين في دول غربية، ففيما بقي الخطاب الرسمي فيها ثابتا تجاه إسرائيل، ظهر خطاب آخر جديد تبناه فنانون عالميون ورياضيون وإعلاميون ومؤثرون وكتاب وأكاديميون يطالبون بوضوح بإنهاء معاناة الفلسطينيين المستمرة منذ عقود، ولم يكن الخطاب غائما أو خجولا، بل كان واضحا في المسميات والمفردات، وعلى الصعيد الشعبي، خرجت مظاهرات حول العالم من إندونيسيا إلى كندا، وبعضها، كما في لندن، كان غير مسبوق من حيث الحجم

المكسب الرابع إعلامي كذلك، ظهرت أصوات فلسطينية لشبان وشابات فلسطينيين، قادرة على أن تقدم خطابا متسقا في وسائل الإعلام، لكن ما يحد منه طوفان الخطاب الشعبوي السائد في وسائل الإعلام الجماهيرية ورداءة الإعلام الرسمي الفلسطيني وخطاب سياسييه – كلمة إسماعيل هنية (أبو العبد) في الدوحة وكلمة محمود عباس (أبو مازن) تصلحان للتدريس كمثال للرداءة يجب تجنبه

المكسب الخامس عسكري، مدى وكم الصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية من غزة كان مختلفا عن الحروب السابقة، لكن هذه النقطة بحاجة لنقاش مطول لأن إعلام “باعة الوهم” يعمل على تضخيمها بشكل مؤذي، الصواريخ ما زالت بدائية، وهي إن تطورت نوعيا بالنظر إلى أنه جرى تصنيعها في قطاع محاصر منذ أكثر من ١٤ عاما، إلا أن قدراتها التدميرية ودقتها ما زالت متواضعة جدا، أغلقت الصواريخ مطار بن غوريون وتسبب بأضرار هناك وهناك، لكن بالمحصلة غزة تواجه أحد أكثر الجيوش تطورا في العالم للأسف، والأمل أن يكون قطاع غزة قادرا كذلك على تطوير قدرات كوادره الطبية ودفاعه المدني من بين أمور أخرى

بقي أن أقول نقطتين باختصار: الأولى تتعلق باستمرار خفوت صوت خطاب حقوقي فلسطيني واضح في معاييره الأخلاقية بخصوص العلاقة مع القوى الإقليمية التي قمعت شعوب جوار فلسطين وما تعانيه هذه الشعوب، في حوار حول موقف روجر ووترز المتناقض فيما يخص سوريا وفلسطين، سمعت جملة من نوع “شو بدي بسوريا هلأ”، أو جملة من نوع “أنا بسجد لمجرم مثل بشار الأسد إذا بيضرب صاروخ على إسرائيل”. هذا الخطاب لا أخلاقي أولا وغير براغماتي ثانيا لأنه منفر وليس جاذب (بالمحصلة اكتسبت المظاهرات الداعمة لفلسطين في دول شمال غرب أوروبا زخما استثنائيا مع وجود كتلة لاجئين سورية كبيرة في هذه الدول- جزء منها فلسطينيون سوريون). لا يمكن التعميم طبعا، هناك أصوات فلسطينية لديها خطاب متسق فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لكن بدا واضحا أن هناك من سينسى فورا كل ما يتعلق بمقتلة ليس شعوب دول المنطقة فحسب، بل كذلك فلسطينيي سوريا أو فلسطينيي العراق ووضع فلسطينيي لبنان والجهات التي تقف خلفهذه المآسي

النقطة الثانية تتعلق بالأداء الإعلامي، ظهرت غزة منتصرة منذ يوم المواجهة الثاني لأن صواريخها وصلت إلى تل أبيب، التوحد وشحذ الهمم خلال معركة شيء، وبيع الوهم شيء آخر، الإعلام مصيبة أساسية في القضية الفلسطينية، إعلام لا يتورع عن عرض صور جثث ودماء الضحايا دون أي تقدير لكراماتهم وخصوصياتهم، إعلام طبّع المشاهد مع الجثة الفلسطينية حتى أصبحت معتادة وغير استثنائية (سقط عشرة قتلى إسرائيليين (اثنان منهم من فلسطينيي الداخل ولم نر جثة أي منهم، ولن طبعا) في مقابل نحو أكثر من ٢٤٠ في غزة وأكثر من ٢٠ في الضفة). إعلام الأخبار العاجلة من نوع “صفارات الإنذار تدوي في عسقلان وبئر السبع” كارثة مستمرة يجب تجاوزها.

أدولف وأمين والشيطان ثالثهما

 0,,18794944_401,00

عنب بلدي، العدد 192

———————

كان أدولف يذرع الغرفة جيئة وذهاباً وتوتر واضح يستغرق محيّاه، ما أن تمضي دقيقة حتى يعيد طرح السؤال ذاته على سكرتيرة الحاج أمين: “ما خلص؟”. السكرتيرة التي تعاطفت بداية مع هذا الضيف غريب الأطوار ذي الشاربين الشبيهين بشاربي شارلي شابلن سرعان ما عافت حالها من إلحاحه، وبعد أجوبة متفهمة وراجية للانتظار انتقلت إلى جُمل مقتضبة وغاضبة ثم إلى تطنيش وتجاهل مطلقين.

استأنف أدولف مشيته النزقة دون كلل أو ملل، كرسي انتظار الضيوف بقي خاوياً منذ دخوله، والدقائق التسعون التي لطعه بها الحاج أمين مرت بسرعة مباراة كرة قدم مثيرة. أتى الفرج أخيراً، وأذن للضيف بالدخول. كان الحاج أمين يجلس على كرسي وثير خلف مكتبه في صدر الغرفة الفسيحة فيما تجلس ريم تركماني على كنبة سوداء جلدية على الجهة اليمنى، تفصلها طربيزة عن كنبة مماثلة على يسار المكتب، على الطربيزة كأس زهورات شبه فارغ. Continue reading

منذر خدام… بورتريه

منذر عنب بلدي، العدد 145

————————–

لهلوب المعارضة الوطنية، السابح عكس التيار، بسيط كالماء، واضح كفشكة كلاشينكوف، قوله المأثور: “رأس الحكمة مخافة الإسلام”، يكره الطائفية والسنة. مع الحرية المطلقة لخيارات الإنسان ومنع الحجاب. مهتم بعلم الجمال.

 ذاكرته من جسد، حواسّه فوضى. يزرع الملوخية والحب والوطنية، مضيء كمصباح، أقدامه حقول، طريقه مصانع.. على الفيسبوك يتواجد بثلاث نسخ: منذر خدام، ومنذر خدام نيو، ومنذر بدر حلوم. يقرأ جريدة السفير صباحاً، يمخمخ على افتتاحيات عبد الباري عطوان، فترة بعد الظهر مخصصة لعريب الرنتاوي، أما المساء فهو لشاشة الميادين.

إعلامي برتبة موسى عمر علماني، يخوض سجالات فكرية مع ناهض حتر.. يتبيّن المعارض العميل من المعارض الشريف، يتلقى شهادات سوء سلوك ويوزعها، صاحب أقسى تجربة اعتقال في الثورة، يدخل للقلب بسرعة، يحبه الجلادون والمعتقلون على السواء، يوصونه من الأقبية بإنجاح جنيف2. Continue reading

في التباين بين الجولان ولواء اسكندرون

ملاذ الزعبي
الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣

كان من أهم النتائج الفورية للثورة السورية استعادة السوريين للجزء الأكبر من مجالهم العام بعد احتكار دام نحو خمسين عاماً، كانت فيه الآراء والقرارات المتعلقة بقضايا البلد المصيرية حكراً على السلطة الحاكمة. هكذا، عادت إلى النقاشات في العامين الأخيرين، بخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قضية كانت شبه غائبة أو مغيبة عن الرأي العام السوري، وهي قضية لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا في 1939.

يتعامل العديد من السوريين مؤخراً، معارضين للنظام أم موالين، بحساسية مفرطة مع أي صورة للخريطة السورية منقوصة من اللواء «السليب»، كما درجت العادة على تسميته في الثقافة السياسية السورية. وبالتوازي مع هذه الحساسية، عمد النظام عبر وسائل إعلامه وقنوات أخرى، إلى استخدام وظيفي للمسألة مع تأزم العلاقات بين دمشق وأنقرة، وكان آخر هذه الاستخدامات الظهور التهريجي لأحد نواب مجلس الشعب السوري وهو يتوعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأن سورية لن تسامحه بعد اليوم في ما يخص اللواء، في مشهد بدا وكأنه هارب من مسلسل «بقعة ضوء» السوري الساخر.

ويتم دائماً في النقاش المتعلق بالاسكندورن استحضار تشبيهه بمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، على رغم عديد الفوارق التي تميز بينهما على صعد قانونية وسياسية. فالجولان صدر في شأنه قراران من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 242 في 1967 والقاضي بسحب القوات المسلحة من الأراضي التي احتلتها في النزاع (حرب الأيام الستة)، و338 الصادر في 1973 والقاضي بتنفيذ القرار 242 في جميع أجزائه.

على نقيض ذلك، لم يكن لواء اسكندرون قضية دولية منذ نشأة الأمم المتحدة، فيما يقضي في 1937 القرار الصادر عن الهيئة الدولية الأسبق، عصبة الأمم، بفصل اللواء عن سورية، قبل أن تؤدي نتائج استفتاء أشرفت عليه الإدارة الفرنسية للواء عام 1939 إلى ضمه بشكل نهائي إلى تركيا، في إطار سعي باريس حينها لتحييد الأتراك في الحرب العالمية الثانية. ولاحقاً وافق حافظ الأسد في اتفاق أضنة عام 1998 على التخلي نهائياً عن اللواء رغم المداورة الرسمية وإنكار ذلك، قبل أن تقوم صحيفة «تشرين» الرسمية في 2004 بنشر خريطة سورية استثني منها اللواء للمرة الأولى.

ما يصنع فرقاً موازياً في الأهمية للفرق القانوني بين اللواء ومرتفعات الجولان، غياب أي شكل من أشكال المقاومة للإدارة التركية بين سكان اللواء بما في ذلك المقاومة الثقافية، فيما شهد الجولان منذ احتلاله عام 1967 مقاومات متنوعة في أساليبها للإسرائيليين.

فبعيد قرار الحكومة الليكودية عام 1981 ضم الجولان أعلن الجولانيون إضراباً عاماً مفتوحاً دام ستة أشهر أفضى الى عدم فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان، كما فضل آخرون حمل السلاح في مواجهة الدولة العبرية واعتقل نتيجة لذلك العديد من الجولانيين ومنهم هايل أبو زيد الذي قضى عشرين عاماً في السجون الإسرائيلية، هذا عدا مقاومات ثقافية متعددة، حيث يدرس عشرات الطلاب الجولانيين في الجامعات السورية، إضافة إلى تنظيم فعاليات ثقافية كعرض أفلام سينمائية سورية وغيرها.

جاءت الثورة السورية كإثبات جلي أن العلاقة التي تربط الجولان بسورية مختلفة بشكل جذري عن تلك في الاسكندرون، فبينما غابت عن الأخيرة مظاهر التأثر بالأحداث الجارية في البلاد، باستثناء مشاهد هامشية، شكل الجولان مسرحاً لمشاهد تفاعل عديدة مع التطورات المتلاحقة في سورية، فنظمت كرنفالات مؤيدة للنظام واعتصامات متضامنة مع الثورة، فيما كانت مواقف أسرى خارجين حديثاً من سجون الاحتلال لافتة للانتباه، ومن هؤلاء وئام عماشة والشاعر ياسر خنجر، كما كانت بلدة «مجدل شمس» الجولانية إحدى محطات مهرجان سينما أيام الواقع «يوم عالمي لسورية» الذي أقيم في عدة مدن حول العالم مؤخراً.

قد يكون من اللافت الحديث عن خريطةٍ سوريةٍ تضم لواء اسكندرون فيما مستقبل الخريطة الحالية، ملبد ويبدو أنه قابل لتغيير لم تعرفه البلاد منذ نشأتها مع انهيار الإمبراطورية العثمانية.

صحيفة الحياة اللندنية

………………….

للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال اضغط هنا