الإكوادور.. بلد التنوع الطبيعي والصخب والإرث الإنساني

تاريخ الرحلة: أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر إلى أوائل كانون الأول/ ديسمبر من العام 2016

كان أول نقاش خضته في الإكوادور سياسيا بحتاً، لكنه للمفارقة، تمحور حول الجارة فنزويلا، فمضيفنا مارسيلو الإكوادوري الجنسية والأستاذ الجامعي في مجال الهندسة الكهربائية قضى عقودا يعمل ويعيش في كاراكاس، تزوج وأنجب أطفالا هناك، اشترى منزلاً في فنزويلا واحتفظ بمدخراته في البلد الجار قبل أن تنهار عملته وتفقد بالتالي مدخرات مارسيلو قيمتها، وفيما لم يحمل الأفق أي أمل باستعادة الاقتصاد عافيته، عاد الأستاذ الجامعي إلى بلده الأم مصطحباً زوجته الفنزويلية، وبات مصدر دخله الآن استضافة الزائرين والسيّاح في جناح بمنزله عبر موقع Airbnb وتنظيم رحلات لهؤلاء الزوار في العاصمة كيتو وبعض المواقع القريبة منها.

ترتفع كيتو قرابة ٢٨٥٠ متراً عن سطح البحر، ما يجعلها ثاني أعلى عاصمة في العالم، وتبدو للناظر كسلسلة غير منتهية من الجبال والوديان (وهو ما ينطبق على مساحات واسعة من الإكوادور التي تخترقها سلاسل الأنديز). وبعيد وصولنا إلى منزل مضيفنا الذي أقلنا من المطار، انطلقنا (أنا وفاطمة) باتجاه مركز المدينة وبلدتها القديمة، وسرعان ما تجلى طابع كاثوليكي طاغ لكيتو، بدءاً من كاتدرائية ديل فوتو ناسيونال وليس انتهاء بالنصب العملاق إل بانيسيلو أو عذراء كيتو المطل على المدينة بقامته الممتدة لخمسة وأربعين متراً منذ العام ١٩٧٦. لكن طابعا بوهيمياً وكوزموبوليتانياً آخر يمكن استشفافه في محطات أخرى، منها شارع لاروندا المليء بالمطاعم والبارات والمنتديات والغرافيتي، ومهرجان نسوي أقيم خلال إقامتنا في كيتو وتضمن موسيقى وعروضاً للسكان الأصليين، وحفلات راقصة صاخبة وجوالة كنا نصادفها في أماسينا هناك وهناك.

DSC_0038

نهارنا التالي خصص للعاصمة: ساحة الاستقلال- بلازا دي لا إندبيدنسيا، وهو الاسم نفسه الذي تحمله ساحة رئيسة في كل من العاصمة الإسبانية مدريد والعاصمة الأوروغويانية مونتفيديو، وفيها مقر الحكومة بقصر كارونديليت، وقصر البلدية وكاتدرائية العاصمة وأبنية أخرى، بينما يتوسطها نصب الاستقلال الذي يخلد ذكرى أبطال النضال للتحرر من الاستعمار الإسباني في الربع الأول من القرن التاسع عشر. كانت الإكوادور أول بلد في أميركا الجنوبية شهد انطلاق حركة تحرر من الاستعمار الإسباني المديد، وما زال بالإمكان العثور على آثار من إرث إنساني يفخر به هذا البلد الصغير، فالدخول إلى الإكوادور لا يتطلب تأشيرة دخول وهو متاح لأي حامل جواز سفر حول العالم، ويضمن دستور البلاد حقوقاً متساوية للاجئين وطالبي اللجوء، وحقهم في الحصول على الخدمات الأساسية العامة، بما في ذلك الصحة والتعليم. لذا كانت البلد وجهة رئيسة للهاربين من فنزويلا القريبة وثانوية للفارين من سوريا القصية، حيث استقر بعض الأخيرين هناك فيما حاول آخرون الانتقال منها إلى بلدان أخرى بعد الحصول على جوازات سفر أو تأشيرات مزورة. Continue reading

غرافيتي لندن: مشهد من فنّ يعكس جوانب ثقافية وسياسية للمدينة

قبيل دورة الألعاب الأولمبية في لندن صيف عام 2012، شنت سلطات المدينة حملة استهدفت فناني الغرافيتي وأنزلت ببعضهم عقوبات وصلت حد السجن، لاحقًا استعاد فن الشارع الرئيسي هذا مكانته في المدينة، ورويدًا رويدًا غزت لوحات الفنانين جدران بعض أحياء لندن وواجهات أغلقة محلات فيها مع غض السلطات النظر عن هذا النشاط “غير القانوني”، والذي بات يحتل مكانة ثقافية وسياحية متزايدة في العاصمة البريطانية (تواصل السلطات حظر الرسم أو الكتابة على القطارات أو عربات المترو ولا تبدي أي تساهل اتجاهه).

ينتشر الغرافيتي في عدد من مناطق لندن، كبريكستون وبريكلاين وكامدن وهاكني وبيثنال غرين وغيرها، ويغيب جزئيًا عن مناطق وسط المدينة وبالأخص الحي المالي City of London والمناطق المحيطة به. فيما يلي مجموعة من أعمال الغرافيتي الموجودة حاليًا في مدينة الضباب (مع التشديد على كلمة حاليًا، إذ أن هذا النوع من الفنون متغير ومتبدل، قد تُطمس لوحة غرافيتي بعد رسمها، وقد ترسم واحدة فوق أخرى وقد يختفي جدار عليه إحدى اللوحات، هذا عدا عن اللوحات المنفذة على جدران مؤقتة، كواجهات أبنية ومحال تجارية قيد الترميم والتجديد):

  • “بلاد العجائب”، للفنانة الفرنسية المقيمة في لندن زابوZabo . سبق لزابو أن نفذت عددًا من اللوحات على جدار هذه الحانة بالذات في منطقة ألدغيت، وهي نفذت لوحات حول العالم، بما يشمل جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية، وفي هذا العمل نرى شخصية “أليس” من كتاب “مغامرات أليس في بلاد العجائب” للمؤلف الإنكليزي تشارلز لوتويدج، لكن زابو تسعى إلى مساءلة الصورة النمطية للمرأة بشكل عام وأليس بشكل خاص، حيث تغيب هنا ملامح البراءة المألوفة عن وجه بطلة العمل الأدبي ذائع الصيت.

DSC_0215.JPG

  • للحيوانات حصة وازنة في جداريات الغرافيتي في العاصمة البريطانية، ويكرس فنانون أعمالهم لتسليط الضوء على ما تتعرض له الحياة البرية في كوكبنا، والمخاطر المحدقة ببعض الأنواع نتيجة الصيد الجائر وغيره من نشاطات بشرية، وفي هذا العمل للفنان الجنوب أفريقي فالكو ون Falko One نرى ندبة على قدم الفيل في الجهة اليسرى في ما قد يكون إشارة لما تتعرض له الفيلة في القارة السوداء.

DSC_0221.JPG

  • روا Roa، فنان بلجيكي ينحدر من مدينة جنت، يركز في أعماله على تصوير الحيوانات والقوارض، والأخيرة جزء من الحياة اليومية اللندنية، حيث تتلقى مجالس المدينة المحلية أكثر من مئة شكوى يوميًا بخصوص الجرذان والفئران.

DSC_0217.JPG

  • في منطقة ستوك نيونغتون شمالي لندن، نفذ الفنان Furia Ack قبل سنوات عمل غرافيتي باللونين الأبيض والأسود (وهو الأسلوب الذي اشتهر به) لرسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي، والذي اغتيل في لندن تحديدًا عام 1987 عن عمر ناهز 50 عامًا.

dsc_0466

Continue reading

ملامح من باكستان.. صور من خمسة مدن وأربع أقاليم

1
الطريق إلى كاراكورام

جبال كاراكورام (7)

جبال كاراكورام (2)
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (3)
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (1)
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (5)
جبال كاراكورام – هونزا
جبال كاراكورام (6)
جبال كاراكورام – الطريق إلى خونجيراب
جبال كاراكورام (4).JPG
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (14).JPG
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (12).JPG
جبال كاراكورام – نهر غيلغيت
جبال كاراكورام (11).JPG
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (10).JPG
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (9).JPG
جبال كاراكورام
جبال كاراكورام (8).JPG
جبال كاراكورام
بحيرة بوريث.JPG
بحيرة بوريث
الطريق إلى بحيرة بوريث.JPG
الطريق إلى بحيرة بوريث

Continue reading

أسبوعين أو أقل في باكستان: ليست بلاد حروب

 عندما أخبرت زميلاً في العمل أنني ذاهب بعد أيام إلى باكستان للاستكشاف والسياحة، ردّ بجواب مقتضب، هو استفهامٌ أميل إلى استنكار: “شو فيها باكستان؟”، وإن كان سؤاله لم يغيّر من قناعتي الراسخة أن ما من بلد في العالم إلا وفيه ما يستحق الزيارة والتعلّم والمتعة والاستطلاع والفرجة والدهشة، فإن إرداف الزميل ذاته أنه زار ذاك البلد الجنوب- آسيوي قبل سنوات في رحلة عمل، أثار في نفسي مسحة ضئيلة من قلق.

فباكستان هي أيضاً ذاك البلد المتردّد دائماً على نشرات الأخبار، تارة نتيجة تصعيد مفتوح على احتمالات المواجهة مع الهند وصراعهما الأزلي على كشمير، وتارة أخرى بسبب تطوّرات في أفغانستان المجاورة لا يمكن عزلها أبداً عن إسلام أباد، وتارة ثالثة للحديث عن واحدة من جماعات جهادية عدة ولدت في جبال هذه البلاد وقرب حدودها المضطربة. إلا أنني ذهبت مستقصياً وجهاً آخر لبلد قضى فيه أسامة بن لادن وعبد الله عزام ونشطت فيه جماعات مثل “جيش محمد” و”لشكر طيبة” وغيرها، وعثرت هناك على ملامح أخرى فعلاً.

***

انطلقت من إسلام أباد، أنا وصديقي الباكستاني “شارك” وقريبه اسماعيل برفقة سائق يعمل لدى عائلة اسماعيل يدعى كوصار، وهو اسم من القرآن كما أكّد لي (سأكتشف بعد جهد أنه كوثر)، وصديقنا كوصار جندي سابق في القوات الخاصة الباكستانية، ويحمل معه ما يثبت ذلك، وهذا الإثبات ساعدنا على عبور حواجز الجيش في جبال إقليم غيلغيت بالتيستان. كانت وزارة الداخلية الباكستانية أصدرت قبل أيام من وصولي المزمع قراراً يقضي بضرورة حصول موظفي المنظمات الدولية والصحافيين وحاملي جنسيات بعينها، لا غربية ولا شرقية، على إذن لزيارة إقليمي غيلغيت بالتيستان، وجامو وكشمير، ولم أكن أملك وقتاً لاستصدار هكذا إذن، فكان أن توكلنا على العلي القدير باتجاه الشمال مشوبين بخوف من انكشاف أمري.

جبال كاراكورام (7).JPG

وصلنا وجهتنا الأولى في وادي هونزا بعد رحلة دامت يوماً كاملاً، رافقنا فيها أيضاً نهر غيلغيت وجبال في سلسلة كاراكورام من كل شكل ولون: خضراء تغطيها مزارع، وخضراء بغطاء نباتي، وجرداء ترابية، وجرداء صخرية، وأخرى تكسوها الثلوج. عدا عن شلالات تناثرت في بعضها، وزاد من غزارتها موعد الزيارة في بداية الموسم الربيعي (يضم إقليم غيلغيت بالتيستان لوحده أكثر من 20 قمة جبلية يزيد ارتفاعها على ستة آلاف متر). Continue reading

ستة أيام في رواندا

كان ختم جواز السفر والدخول إلى كيغالي عبر مطارها سلسًا وبلا عوائق، لا تأخير متعمد بهدف الابتزاز والحصول على رشوة كما حدث معي سابقًا في مطارات عالمثالثية، ولا أسئلة شيرلوك-هولمزية عن علاقات محتملة لي بجهات مثيرة للشبهات مما طرح علي في مطارات عالم أول. بضعة استفسارات سريعة عن سبب الزيارة فابتسامة فختمٌ فكلامٌ فـ” إنجوي يور ستاي إن رواندا”.

توجهت إلى حيث سأقيم في العاصمة الرواندية، وهو غاليري ومقر إقامة فنية يدعى إيفوكا، اكتشفت لاحقًا أنه من الوجهات التي قد يزورها سوّاح وفضوليون بناء على نصائح تقدمها بعض المواقع المتخصصة بالسفر والسياحة (شاهدت فعلًا سائحين أمريكيين وأخرى كولومبية خلال الوقت القصير الذي قضيته في إيفوكا بينما استهلكت شوارع كيغالي ومحيطها أغلب وقتي خلال يومي الزيارة الأولين). غرفة متواضعة، أهم ما فيها شبكة الوقاية من البعوض، حمام مشترك أكثر تواضعًا (سأتندم على ترفعي عليه في تجربتي مع حمامات أخرى)، وإنترنت ينقطع أكثر مما يعمل. يطل المقر الفني على ملعب غولف هو الوحيد في البلاد، يرتاده مقيمون أجانب غالبًا، أخبرني سائق التاكسي الذي أوصلني من المطار أن رسم ممارسة الغولف ليوم واحد يبلغ 50 دولارًا، وهو مبلغ هائل في بلد لا يتجاوز معدل دخل الفرد فيها 155 دولارًا شهريًا. هذا فيما كانت نسوة وأطفال يتقاطرون إلى قناة تمر بجانب الملعب لملء صفائح مياه.

DSC_0001

  Continue reading