قميص منتخب الوطن

 097486_2009_07_13_11_18_29.image2

مجلة صور، العدد 14

——————–

كان نزار كردغلي في السادسة والعشرين من عمره عندما وصل إلى قمة مجده الكروي. حينها، كان يحمل شارة الكابتن لمنتخب سورية دون 19 سنة الذي يستعد لتصفيات بطولة آسيا للشباب، راج في الإشاعات أن اختيار كردغلي قائداً للفريق جاء بوصفه الأكبر سناً، فيما معدل أعمار باقي اللاعبين 23 سنة، بينما قالت إشاعة ثانية أن كردغلي مدعوم كونه ابن أخت أبو تالا، رئيس مفرزة الأمن العسكري في معرة النعمان.

السبب الحقيقي وراء اختيار نزار لتولي مهمة القيادة كان ولاؤه الشديد للقميص الذي يرتديه، فكردغلي، الذي لطالما هتفت له الجماهير من على المدرجات “ارفع إيدك كردغلي” ثم هتفت بعد مرور خمسة ثوان على رفعه ليده استجابة لمناشدتهم “نزل إيدك خريتها”، هو اللاعب الوحيد الذي يرفض مبادلة قميصه مع أي من اللاعبين الآخرين بعد نهاية المباريات. وهي العادة الدخيلة على تقاليد مجتمعنا ورياضتنا والتي حذر منها الدكتور ماجد شدود رئيس مكتب الرياضة والشبيبة والطلبة القطريين في حزب البعث العربي الاشتراكي.

لم تكن مناسبة واحدة تلك التي رفض فيها نزار بشدة التخلي عن قميص الوطن، فبعد المباراة الشهيرة التي جمعت نادي الجيش السوري ومنتخب الاتحاد السوفييتي الصديق على أرض ستاد “البلاشفة” الدولي في موسكو في كانون الثاني من عام 1983 وانتهت بفوز الأصدقاء 4-0، توجه حارس المنتخب السوفيتي الشهير ديساييف إلى كردغلي بعد نهاية اللقاء عارضاً عليه تبديل قميصه، فهو اللاعب الوحيد الذي نجح بالتسديد باتجاه المرمى السوفيتي، وعلى الرغم من أن تسديدته ذهبت بعيدا عن المرمى وتم إحضار الكرة حينها من المدرجات، إلا أن ديساييف حدس أن نزار هو نجم هذا الفريق الاشتراكي الصديق، ولكن ثقته المطلقة بأن كردغلي سيفرح بعرض مبادلة القمصان تحولت لخيبة أمل مطلقة بعد رفض الأخير للعرض لأنه يشعر بالبرد. بعد ثلاثة أيام على وصول خبر الهزيمة، عنونت صحيفة الموقف الرياضي صدر صفحتها الأولى “كردغلي يتمسك بقيمص الوطن بعد مباراة رجولية”.

في تصفيات كأس العالم 1986، كان منتخبنا الوطني يخوض المباراة الفاصلة المؤهلة للمونديال في مواجهة نظيره العراقي، والعلاقات السياسية بين البلدين في أسوأ حالاتها، فأسد السنّة صدام حسين وأسد العلويين حافظ الأسد يتنافسان على لقب “الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط”. خسر المنتخب السوري المباراة الفاصلة، يومها رفض نزار مبادلة قميصه مع نجم المنتخب العراقي آنذاك أحمد راضي خوفاً من أن يطجه أحد زملائه في المنتخب تقريراً لأمن الدولة بتهمة الانتماء لبعث العراق. العنوان الذي خرجت به صحيفة الاتحاد آنذاك: “خسرنا التأهل وكسبنا قميص منتخب الوطن”.

المرة الوحيدة التي خلع بها نزار قميصه كانت بعد فوز سوريا بالميدالية الذهبية لمسابقة كرة القدم في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ولخلع القميص هنا قصة أخرى، كان منتخبنا الوطني قد فاز في الدور الأول على منتخب أشبال تركيا وفي الدور نصف النهائي على منتخب حارات اليونان وسيواجه في المباراة النهائية منتخب طلائع فرنسا، الأعصاب مشدودة والأدرينالين بلغ عنان السماء فمنتخب الطلائع الفرنسي يرفض الاستسلام بسهولة، والنتيجة هي التعادل الإيجابي، احتسب الحكم ضربة جزاء للمنتخب السوري أكد عدنان بوظو أنها صحيحة، وانبرى كردغلي لتنفيذ الركلة مسجلاً هدف الانتصار، بعد الهدف خلع كردغلي قميصه للمرة الأولى في حياته، كان يركض كالمجنون ويبكي، استغرب زملاؤه شدة فرحه، فهو لطالما سجل الأهداف من ركلات الجزاء، أما هو فكان يركض فرحاً لسبب آخر، فقد نجا من الصفعة المحتملة التي كانت تنتظره من مدير المنتخب إذا فشل بالتسجيل. بعد يوم خرجت صحف البعث والثورة وتشرين بمانشيت مشترك بالخط العريض: “برعاية الرئيس الأسد.. منتخبنا الوطني بطلاً لدورة المتوسط”.

اختتم نزار كردغلي مشوراه مع المنتخبات الوطنية في بداية التسعينات بعدما بلغ من العمر ثلاثين عاماً، كان حينها يحمل شارة الكابتن للمنتخب الأولمبي دون 23 سنة الذي يستعد لتصفيات أولمبياد برشلونة 1992، وبعد الخروج المشرف من التصفيات قرر الاعتزال. ثم كشف في لقاء صحافي مطول مع باتريك سيل سر تمسكه الشديد بقميص منتخب الوطن: “عندما كنت ألعب لناشئي نادي المحافظة، تمزق قميصي بعد حالة شد قوية من مدافع فريق الفتوة خلال مباراة ودية، حينها اضطررت لإكمال المباراة بالشيال لعدم توفر قميص بديل، كان ذلك درساً حفر في وجداني عميقاً أهمية الوفاء للقميص الذي ترتديه”.

بعد عامين حاول رئيس اتحاد كرة القدم إقناعه بالعدول عن قرار اعتزاله كي يلعب مع المنتخب السوري للشباب الذي سيحرز لاحقا كأس آسيا، لكنه رفض بشدة، مؤكداً أنه اعتزل بعد وصوله لقمة المجد الكروي ولن يرجع عن هذا القرار.

Leave a comment